الديمقراطية البرجوازية كذبة كبيرة، ملطخة بدماء واستعمار واستغلال الشعوب، بما فيها الشعوب الغربية ذاتها. هي ديمقراطية تخص الطبقة الرأسمالية دون سواها من الطبقات والشرائح الاجتماعية. وكل المقولات واليافطات الغوغائية، التي يطلقها زعماء الدول الرأسمالية عن الديمقراطية وحقوق الانسان، وحرية الرأي والتعبير وتقرير المصير للشعوب، هي مقولات جوفاء، لا يقصدون محتواها، بل يستخدمونها للتجارة والضحك على دقون الشعوب، وشعوبهم قبل شعوب العالم الثالث، التي ابتلت بالقوى الإمبريالية مصاصة الدماء من خلال تنصيب أدواتهم وعملائهم من المأجورين.

 

من نماذج هذه البرجوازية الإمبريالية الفرانكوفونية، ايمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، الذي ما فتء الحديث عن الديمقراطية وتقرير المصير، والمناداة بالسلام، دون ان يقصد محتوى أي مفهوم مما تقدم، بل العكس صحيح. هذا الماكرون، الذي جاءت به لسدة الحكم العائلات الصهيونية من أباطرة رأس المال المالي، مارس ودولته الكولونيالية أبشع أشكال الاستعمار في أفريقيا، ونهب ثروات شعوبها، بيد أنه وقواته الاستعمارية دفعوا ثمنًا غاليًا، لأن الشعوب الأفريقية استيقظت، ودافعت عن استقلالها وحريتها. فضلاً عن دخول أقطاب دولية أخرى على خط المنافسة، وإعادة تقاسم النفوذ في القارة السوداء، وبنتاج العوامل المختلفة تم دحر القوات الفرنسية الاستعمارية من العديد من الدول في الآونة الأخيرة. 

 

وهذا لا ينطبق على الشعب الفرنسي الصديق وقواه الحية، الذي يكن له الشعب الفلسطيني الامتنان والتقدير لمواقفه الداعمة للحقوق الوطنية. إنما يستهدف القوى المعادية لمصالح الشعب الفرنسي وشعوب العالم الثالث عمومًا والشعب العربي الفلسطيني خصوصًا.

وعلى أهمية ما تقدم في تعرية التاريخ الأسود للاستعمار الامبريالي الفرنسي القديم والحديث، بيد أن ما يهمني هنا في هذه العجالة، التوقف أمام التدخل الفاجر والمرفوض من قبل الرئيس ماكرون شخصيًا في الشأن الفلسطيني وفق ما نشرت صحيفة "الفيغارو" الفرنسية يوم الاثنين الموافق 13 شباط / فبراير الحالي، التي أشارت إلى أن ساكن الاليزية طلب من سفرائه وممثليه في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية والدولة الإسرائيلية ورؤساء احهزة المخابرات الحاليين والخمسة السابقين لكل منهم ترشيح شخصية فلسطينية ل"استبدال" سيادة الرئيس محمود عباس بذريعة أن عمره 87 عامًا؟! 

 

وتجاهل الرئيس الفرنسي كليًا الشعب العربي الفلسطيني، ودوره في تقرير مصيره بنفسه، واعتزازه بقياداته ورموزه التاريخيين، وأي كانت ملاحظات ومواقف أبناء الشعب من قياداتهم، فإنهم لا يقبلون من حيث المبدأ سياسة الإملاءات، وفرض العملاء والشخصيات الكرتونية في مركز القرار الوطني. ثم من سمح لك، أن تتنطح لهذه المسألة؟ وعلى أي أساس؟ أم أن العائلات الأوليغارشية الصهيونية طلبت ذلك؟ أم أن نتنياهو في زيارته الأخيرة للاليزيه همس في إذنك ذلك. لا سيما وأن موضوع تدخلك المباشر جاء بعد زيارة رئيس الحكومة الفاشية السادسة؟ 

 

ثم ما شأنك، وشأن عُمرْ سيادة الرئيس عباس في الأمر؟ وما علاقة العُمرْ في التغيير، طالما الرئيس جاء لموقعه الرئاسي بالانتخاب؟ أم أن الموضوع يتعلق بإيجاد قيادي تافه يتساوق مع الحكومة الفاشية بزعامة نتنياهو؟ هل تدخلت في أمر رئاسة شمعون بيرس، الذي كان عمره 93 عامًا؟ وهل لك أن تتدخل في شأن تولي الرئيس جو بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة، الكبير في السن، ويعاني من المرض أيضًا؟ ومن نصبك وصيًا على الشعب العربي الفلسطيني لتقرر له من يكون رئيسه؟ هل تدخل الفلسطينيون في أمر أي مرشح فرنسي؟ أم تعتقد أنك مازلت كرئيس دولة من القارة الأوروبية العجوز تملك الحق في التدخل، وتعيين من تشاء رئيسًا هنا أو هناك؟ ألا ترى أنك مغيب عن حركة التاريخ، وأن ما كان ممكنًا في زمن سابق، لم يعد ممكناً في الزمن الحالي مع شعوب العالم الأخرى عمومًا والفلسطينيين خصوصًا، الذين لديهم اعتزاز فائق بذاتهم وقياداتهم؟ وهل الشعب الفلسطيني الذي بنى دولا ومؤسسات عظيمة في العالم عمومًا والعالم العربي خصوصًا الذي يضج بالكفاءات والطاقات الفكرية والسياسية والعلمية والثقافية بحاجة لمن يرشح له رئيسا صوريا؟ 

 

مطلوب من الرئيس الفرنسي التوقف فورًا عن التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، ومراجعة الذات قبل فوات الأوان. وإذا كان معنيًا بمصالح الشعب عليه أولاً الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والضغط على حكومة الفاشيين الجدد بزعامة نتنياهو وقف جرائم حربها، وسن قوانينها العنصرية معممة الكراهية والحقد، وأن يطالب من مندوبه في مجلس الأمن بتقديم مشروع اقتراح لفرض العقوبات الاقتصادية والتجارية والأمنية على إسرائيل لالزامها باستحقاق السلام وخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين لوطنهم الام على أساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لأبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والساحل، وأن يقدم الدعم الاقتصادي والمالي للحكومة الفلسطينية ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).