بقلم: عبد الباسط خلف

التحق صلاح الدين محمد جبارين (18 عامًا)، بوالده بعد مئة يوم من إصابته الحرجة، وكان آخر مشهد جمعهما معًا هو محاولة الأب إسعاف ابنه، عقب استهدافهما من قناصة جنود الاحتلال.

واسترد جهاد جبارين، الأخ الأصغر لمحمد، اللحظات القاسية التي عاشتها العائلة صباح يوم الجمعة الخامس من تموز 2024، حينما انقلب نومها على سطح بيتها المجاور لمستشفى ابن سينا في جنين إلى جرح عميق.

وأكد أن شقيقه، وأولاده اعتادوا قضاء ليالي الصيف والسمر والمبيت على سطح بنايتهم قيد الإنشاء في أطراف جنين، لكن ذلك الصباح الثقيل أصاب العائلة في مقتل، حينما اقتحم جيش الاحتلال حي السعادة، ونشر القناصة فوق أسطح المنازل المرتفعة، وبادر بإطلاق النار على كل شيء يتحرك.

- مسعف وقناص

وأضاف: أن "صلاح الدين كان نائمًا برفقة والده وإخوته عندما تحرك من سريره للاحتماء بعد سماع إطلاق نار كثيف، أصيب بشظايا في رأسه، وسارع إليه والده لإسعافه، فصوب قناص احتلالي الرصاص على رأسه، وارتقى في المكان"، موضحًا أن العائلة عاشت مئة يوم من العذاب، فدفنت محمد صاحب الترتيب الثالث بين إخوته، وظلت ملازمة لمستشفى ابن سينا لتفقد صغيرها صلاح الدين، الذي أعاده الأطباء إلى العناية الفائقة عدة مرات.

وتنحدر عائلة جبارين من أم الفحم، التي كانت قرية صغيرة تابعة لجنين قبل عام 1948، فيما كانت تتألف أسرة محمد من ثمانية أفراد: الأبوان، وثلاث بنات وثلاثة أولاد، أصغرهم التوأم الشهيد صلاح الدين ونصفه الآخر عز الدين، وبعد ثلاثة أشهر تقلص عددها إلى ستة.

- بارود ورخام

وقال جهاد: إن ابن أخيه أصيب بالرأس، واختلطت شظايا الرصاص بقطع الرخام المتطايرة من حافة النافذة، بينما نال الرصاص من رأس أخيه، المقدم في جهاز المخابرات العامة، الذي كان مريضًا قبل استشهاده، وأجريت له عملية قلب مفتوح، وكان رهينة لسكر الدم.

واستنادًا لرواية العائلة المكلومة، فقد دخل الأطباء في صراع مع الزمن، وأجروا عدة عمليات جراحية معقدة لإزالة شظايا الرصاص والرخام من رأس صلاح الدين، وتمكنوا من إخراجه بعض الوقت من العناية، وصار يحرك رجله ويده اليمنى، وظل يعجز عن تحريك رأسه أو النطق بأي شيء، بينما استجاب جزئيًا وصار يصدر بعض الحركات بيسراه.

وتبعًا لجبارين، لم تجزم العائلة بأن ابنها علم باستشهاد والده، لكن الشك كان يساورها بأن سيدة زارت جريحها، خلال بعض فترات تحسنه، وترحمت على والده دون قصد، فانعكس ذلك عليه، وصار يحرك قدمه ورجله بانفعال وغضب كان واضحًا على وجهه.

وأشارت إلى أن الأطباء أكدوا لها أول الأمر استجابة نجلها للعلاج، واستعدوا لإخراجه لقسم التأهيل، لكن التهابًا وصل دماغه بفعل الشظايا، وحدثت انتكاسة خطيرة على صحته.

- منقذ وقبر

تنقل صلاح الدين، عقب خروجه من المدرسة بين العمل في بسطة للخضراوات والمطاعم، واستقر به الحال منقذًا في مسبح نيسان التابع للجنة الشعبية للخدمات في المخيم. بينما يعمل شقيقه التوأم عز الدين في مشغل للخياطة.

وأكد جهاد أن لائحة أحلام ابن أخيه كانت في إيجاد عمل مناسب ودائم، والبدء في رسم المستقبل، وبناء بيت، واختيار شريكة حياة، لكن رصاص الاحتلال غير مسارها.

وقال بنبرة سكنها القهر: إن "الأسرة كانت تخطط منذ صباح أمس لدفن صلاح الدين بجوار والده، لكنها لم تتمكن من حفر قبر ملاصق له، إذ واجهها تسرب مياه حال دون إتمام الأمر، فطمرت الحفرة وفتحت أخرى بعيدة بضعة أمتار".

وتحتفظ العائلة بصورة للأب والابن، مؤكدةً أن جرحها لم يلتئم منذ تموز الماضي، وانتقلت من بيتها إلى المستشفى المجاور معظم الوقت، فيما عاد الحزن ليسكن قلبها من جديد بفراق ولدها.