الاقتصاد لاينفصل عن السياسة، وربما كانت السياسة هي الاقتصاد، ولأجله وجدت وأفاضت بمالديها من فكر وبراغماتية وتلون وحدة وانزياح نحو الممكن والمستطاع، وتجاهل مالايصعب الوصول إليه، وكل شيء هو اقتصاد، فالمدرسة والعمل والمهن جميعها اقتصاد، بل وعلاقات الناس ووجودهم اقتصاد، وإنما يعبدون ربهم بحافز الاقتصاد ويقاتلون ويسالمون ويثورون بفعل الاقتصاد، ولعلها تنهار الأمم بفعل الاقتصاد، وربما قامت وسادت، ولعل بعض الحكومات تحتال في الاقتصاد لتحكم الناس وتسيطر، أو تتجنب غضبة الشعب، وبسبب الاقتصاد قطعت رؤوس، وحشر ساسة في مكبات النفايات، أو قتلوا بالرشاشات، وحبسوا ونفوا، وربما اندفع الشعب بكامله نحو قصور الحكام بفعل الاقتصاد.

يقول رجل حكيم، عجبت للرجل يدخل بيته، فلايجد خبزا كيف لايخرج شاهرًا سيفه! بينما يقول الرسول الكريم: لولا الخبز لما عبد الله. وفي القرآن وصفت العلاقة بين العبد وربه بالمتاجرة النافعة، تجارة لن تبور، وهو القائل سبحانه، من يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا مضاعفة، بينما جعلت الزكاة تنقية وتطهيرا لأموال الأغنياء الذين يجودون بها على الفقراء ليقوموا حياتهم، ويكتفوا من الطعام والثياب والدواء وبقية الحاجات الضرورية لدوام الحياة.

‏قامت الثورة الفرنسية حين لم يعد الشعب يجد الخبز، وزادهم تنمرًا نصح مليكتهم أن يلجأوا إلى الكعك!! وعجبت لمن يحرم الخبز كيف يجد الكعك ؟ ولعل آخر الهيجان الذي كان في سريلانكا حين هب الشعب بكامله إلى قصر الرئاسة، وفر الرئيس والحاشية إلى البحر عندما ضاقت بهم السبل، وكم من ثورة وانتفاضة وصراعات قاتلة قامت بفعل الحرمان، وكانت دوافعها اقتصادية بحتة. وفي العراق لم يكن من بد من معالجة آثار الحصار الأميركي عام 1991 إلا اللجوء إلى حلول تخفف معاناة الناس من نقص الغذاء فكانت الحصة التموينية التي تحتوي المواد الأساسية اللازمة لديمومة الحياة، وفي مقدمتها الطحين المصنوع من الحنطة والرز وزيت الطعام والشاي والسكر والبقوليات، والعراق اليوم يقدم لشعبه سلة غذائية، ويستورد ملايين الأطنان من القمح والرز والشاي والسكر ومعجون الطماطم، وكل مايلزم الأسرة، وتجهد الحكومة في توفير ذلك من مناشئ عالمية، بل وقامت بتوزيع حصص إضافية على ذوي الدخل المحدود مع ارتفاع سعر صرف الدولار.

‏وعلى ذكر الدولار، ونتيجة لعوامل سياسية واقتصادية وسلوك إداري ومالي ارتفع سعر صرف الدولار إلى مستوى قياسي أثار ضجة وقلقا في الأوساط الشعبية ووسائل الإعلام، ثم ارتبك المشهد الاقتصادي، واحتج العاملون في التجارة والمضاربون، والذين يضطرون لتداول الدولار في تعاملاتهم اليومية، وارتفعت أسعار السلع بشكل لافت، وأثرت في القدرة الشرائية للمواطنين الذين انتظروا حلولا حكومية ناجعة تخفف معاناتهم، وقد اتخذت الحكومة بالفعل العديد من الخطوات الصادمة لكبح جماح ذلك الارتفاع، والتخفيف من آثارة المرهقة، ولاحقت المتلاعبين بسعر الصرف، ولكن الحاجة ملحة لمزيد من الإجراءات الفاعلة والقوية وغير المتسامحة مع الذين يبحثون عن المكاسب دون مراعاة ظروف العامة من الناس وذوي الدخل المحدود الذين لايملكون الكثير لينفقوه لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.

 

المصدر: الحياة الجديدة