يقرأون سورة الزلزلة لتقريب المعنى، فهي تتحدث عن المستقبل، وعن القيامة والنشر، ورؤية الأعمال، ويحاول البعض إلصاق السورة بحدث أرضي يتكرر منذ تشكيل الكوكب، ووضعه في مدار كوني، ويتسبب بمقتل البشر، وتهديم دورهم، وتركهم في العراء، ولكن ما نفعل وهو قدرنا أن نتحمل قيامة الطبيعة، وما يسمونه غضب الطبيعة التي تجود علينا بالماء والبراكين والأعاصير والثلوج والزلازل المروعة، وكلها من عجائز الطبيعة التي نشأت، وكبرت، وشاخت مع الكوكب الذي نراه يحتضر، ولا نفعل شيئا، بل نجتهد في تحضير جنازته وتشييعه، وكأننا نتجاهل أننا سنشيع معه إلى مقبرة كونية لا خلاص منها، ولا تنفع معها كل قمم المناخ التي تعقد لاستعراضات الزعماء ببزاتهم الفاخرة، وأحذيتهم التي تلمع على ضوء الكاميرات.

 

 ‏تذكرت بالأمس زلزال مدينة الأصنام في الجزائر، وزلزال بام في إيران وزلازل أصابت روسيا وإيطاليا واليونان وكولومبيا واليابان وإندونيسيا والولايات المتحدة، وجال في ذاكرتي زلزال القاهرة الذي جسدته السينما المصرية، وما ينتج عن ذلك من خسائر في الأرواح والعمران والاقتصاد، وكيف تتغير حياة مجموعات بشرية، وقد ينتفع البعض ويتضرر الملايين من البشر، بينما تكافح الحكومات للتخلص من الآثار المروعة لتلك الزلازل وهي المشغولة بكوارث طبيعية أخرى كالبراكين والأعاصير والسيول والانزلاقات الأرضية حتى أن دولاً تعمد إلى تشكيل وكالات حكومية لمعالجة ٱثار الكوارث والعمل على إنقاذ الأرواح، بينما أنشأت روسيا وزارة للطوارئ للتعامل مع الكوارث الطبيعية والحوادث المروعة التي تهدد مجموعات بشرية.

 

‏انتفض العالم لتوجيه عبارات ورسائل التضامن مع الأتراك والسوريين في المناطق المنكوبة بالزلازل، وبعثت حكومات حول العالم فرق إنقاذ خاصة بالتعامل مع الحوادث الجسيمة، والتي تعمل على فتح ثغرات في الأحياء والمباني المهدمة، واستخلاص العالقين، وإيصال الطعام والشراب للمحاصرين، وقامت حكومات بفتح جسور جوية لإيصال المساعدات الطبية والطعام، بينما أعلنت بعض الدول عن فتح الباب لمواطنيها للتبرع، وإرسال المساعدات المالية، وما يمكن توفيره من ثياب وأغطية للمتضررين في المدن والقرى المنكوبة، وهو مؤشر جيد على التضامن الإنساني، وبشرى سارة للناس بأن الحروب والمشاكل الاقتصادية والنزاعات لم تنزع روح التضامن في الأوقات الصعبة التي تحتاج تقديم الدعم والعون خاصة أن بعض المناطق في شمال سوريا تعاني الأمرين منذ سنوات طويلة، وهي بحاجة إلى تجاوز العقبات السياسية والقانونية لإيصال المساعدات الممكنة للعالقين هناك والجياع والمرضى، والذين تقطعت بهم السبل.

 

‏برغم ما تواجهه البشرية من تحديات ونزعات سطوة وهيمنة وعدوان، لكن إشارات الطبيعة ورسائل السماء حاسمة في تغيير النهج والرؤية والتعلق بالمصالح، حيث يجد الإنسان أنه وفي لحظات يمكن أن يتغير لديه كل شيء، ويكتشف عجزه عن مواجهة المصاعب، وحاجته إلى العون، وحين يشاهد بعينيه ما أصاب غيره يتأكد له أنه يمكن أن يمر بذات الظروف، فتتحرك لديه الرغبة في مد يد العون للمحاصرين والعالقين في مناطق النكبات، ويكون على استعداد للمساهمة بما يمكن لتقليل الأضرار، والتخفيف عن المعذبين الذين انقطعت بهم السبل، وعلى قاعدة ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

 

المصدر: الحياة الجديدة