يرتعد المرء مشدوهًا مذهولاً وهو يشاهد على شاشة التّلفاز ما خلّفه الزّلزال من دمار وخراب في تركيّا وسوريا، وما فعله الموت الذي اختطف الأطفال والنساء والشّبّان والرّجال والشّيوخ من أحلامهم وفراشهم.

كانت بيوتٌ وفنادقُ ومقاهٍ ونوادٍ وملاهٍ، كانت مساجدُ وكنائسُ، كانت ملاعبُ ومطاعمُ، كانت مدارسُ وحضاناتٌ، وكانت أسواقٌ ومتاجرُ ومجمّعاتٌ، وكان عازفو كمنجات ونايات، وكان حبٌّ وكانت حياةٌ، وكانت عائلاتٌ تشرب القهوة والشاي بمتعة وهناء، وكان شبّانٌ وكانت صبايا وكان العشق، وكان أطفال يغنّون لطائراتهم الورقيّة وعصافيرهم على الشّجر، وكان أجدادٌ وجدّاتٌ يقيمون الليل ويصلّون الفجر ويبتهلون للخالق، كان وكان وكان، ويتسمّر شعر الرأس وشعر الجسد، وتدمع العينان ويتفطّر القلب، ويشعر المرء بالخوار أمام غضب الطبيعة فيبكي الحجر، وينوح الشّجر، وفجأة تطلّ ابتسامة خجولة على وجه المشاهد وهو يرى هؤلاء الأبطال، رجال الإنقاذ يسحبون طفلة من فم الموت وعلى وجهها ملاك يقول: ما أقوى الحياة!

شاهدتُ البيوت والعمارات الشاهقة والفنادق ترقص رقصة الحبشيّ الذّبيح.

شاهدتُ في السّاحات العامّة وفي باحات المشافي جثامين بلا أسماء.

شاهدتُ أمّهات يبحثن عن أطفالهنّ، وآباء يبحثون عن أبنائهم، وأبناء يبحثون عن أمّهاتهم وآبائهم، وشبّاناً وصبايا يبحثون عن اخوتهم واخواتهم.

شاهدتُ رجال الإنقاذ الأبطال آذانهم منتصبة مثل آذان الخيول الأصيلة ترجو أن تسمع انسانا ينادي ويستغيث من تحت الأنقاض.

الصّورةُ أقوى الف مرّة من الكلمة. والحروفُ تتجمّد من الصّقيع والثّلج والبرد القارس، والكلماتُ تتوارى حياء امام وجه الموت البارد،

نؤمن بالقضاء وبالقدر ونحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، ويحقّ لنا أن نتساءل مع الذين فقدوا أقاربهم، ومع الذين خسروا بيوتهم ويعيشون في العراء، ومع المنكوبين والمرعوبين: لماذا نام السّادة الحكّام في أسرّتهم الوثيرة الدّافئة ولم يفكّروا بالآتي الرّهيب؟ ولماذا لم يعتبروا بالزّلزال الذي ضرب بلادهم قبل سنوات؟

نحن متّفقون على أنّ الاستعمار سافل ولئيم، ومتّفقون على أنّ الرّجعيّة قذرة وحقيرة، ومتّفقون على أنّ مصّاصي دماء الشّعوب لا يشبعون ولا يرتوون، ومتّفقون على أنّ كراسي الحكّام نخرها السّوس، ومتّفقون على أنّ غضب الشّعوب يسير في خطّ متوازٍ مع غضب الطّبيعة. ويحقّ لنا أن نسأل: لماذا لماذا لماذا؟!

شكرًا للبلدان والجمعيّات الإنسانيّة التي قدّمت المساعدات للشعب السّوريّ، وشكرًا للذين قدّموا ويقدّمون الدّواء والغذاء والغطاء والمال للشعبين التّركيّ والسّوريّ.

تبقى روايات الجثث التي بلا أسماء تلاحق السّلاطين والأمراء في غرف نومهم الدّافئة كما تبقى قصص الجثامين المدفونة بلا قبور تحكي عن الإهمال السّلطويّ.

المجد والشّكر لرجال الإنقاذ والأطبّاء والممرّضين الذين عملوا في الظّروف القاسيّة لإنقاذ البشر، والمجد والشّكر لطفل تبرّع بنقود حصّالته، والمجد للشّعوب التي تدفن موتاها وتنهض، والمجد كلّ المجد لله الذي منح عباده الصّبر والأمل والصّباح.

 

المصدر: الحياة الجديدة