إسراء غوراني

قبل أسابيع قليلة، فوجئ المزارع حسين دراغمة بمستوطنين يعملون على ترميم بئر مياه قديمة يمتلكها في منطقة الأغوار الوسطى، تمهيدا للاستيلاء عليها، لكنه تمكن من ردعهم.

ما جرى مؤخرا مع دراغمة يقود لتخوفات كبيرة لدى المزارعين من نية المستوطنين الاستيلاء على أية آبار متبقية للفلسطينيين في مناطق الأغوار، بعد فقدان السكان غالبية آبارهم ومصادر مياههم، إثر استيلاء الاحتلال عليها تدريجيا منذ عام 1967 وطيلة السنوات اللاحقة.

يقول دراغمة ، إن عائلته كانت تمتلك آلاف الدونمات الزراعية في الأغوار الشمالية والوسطى قبل عام 1967، والتي كانت تعتمد بشكل أساسي على 23 بئرا ارتوازيا.

لكن المساحات الزراعية للعائلة تراجعت بشكل كبير بعد ذلك، نتيجة للاحتلال واستيلائه على مساحات واسعة من أراضي الأغوار، كما أن العائلة فقدت غالبية آبارها بسبب وقوعها ضمن مناطق صنفها الاحتلال على أنها "مناطق عسكرية"، ولم يتبق للعائلة الآن سوى سبع آبار.

يشير حسين إلى أنه تعرض خلال السنوات الأخيرة لضغوطات مستمرة من سلطات الاحتلال، التي تطالبه بتزويد جزء من مستوطني "ميخولا" و"أرجمان" بمياه من آباره المتبقية، لكن رفضه يعرضه لمضايقات كبيرة، مؤكدا أن الاحتلال يحاول من خلال ذلك بسط سيطرته على ما تبقى من آبار للمواطنين.

في منطقة أخرى من الأغوار، وتحديدا في قرية عين البيضا بالأغوار الشمالية، حكاية معاناة متواصلة منذ عقود، بسبب نهب الاحتلال لمصادر المياه فيها بشتى الطرق، حالها كحال باقي قرى وتجمعات الأغوار.

كانت عائلة المواطن باسم فقها تمتلك بئرا ارتوازية في القرية منذ عام 1964، في تلك الفترة كانت البئر تضخ 120 مترا مكعبا من المياه في الساعة، وتشكل مصدر ري أساسي لأكثر من ألف دونم زراعي للعائلة (يتم ريها على دفعات)، إضافة لمياه الينابيع الجوفية التي كانت وفيرة في المنطقة آنذاك ويستخدمها المزارعون في الري إلى جانب آبارهم.

بعد عام 1967 أخذ الوضع في المنطقة يتبدل للأسوأ، فخلال السنوات اللاحقة لاحتلال الأغوار حفرت شركة "ميكروت" الإسرائيلية العديد من الآبار الارتوازية العميقة في المنطقة، والتي استنزفت المخزون الجوفي من المياه، وهو ما أدى لجفاف غالبية ينابيع المياه، إضافة لتجفيف جزء من الآبار الارتوازية للفلسطينيين بشكل كامل وتخفيف منسوب المياه إلى الحد الأدنى في جزء آخر، بحيث لم تعد تفي بالاحتياجات الزراعية للمنطقة، فيما وقع جزء من الآبار في أراض استولى عليها الاحتلال بشكل كامل وحرم أصحابها من الوصول إليها.

يقول فقها: "بسبب آبار "ميكروت" تراجعت مياه بئرنا وأصبحت شحيحة جدا، بحيث أصبحت تضخ في الساعة 30 مترا مكعبا من المياه فقط، بعد أن كانت تضخ 120 مترا مكعبا، نتيجة لذلك تراجعت المساحات الزراعية التي نستغلها بشكل كبير".

بعد تجفيف الآبار الفلسطينية في بداية السبعينات، عملت سلطات الاحتلال من خلال شركة "ميكروت" على تزويد المواطنين في الأغوار بكميات مياه بديلة عن آبارهم التي جفت، لكن الكميات التي يحصل عليها المزارعون لا تفي بكامل احتياجاتهم الزراعية واليومية، وهي كميات أقل مما كانت تضخ آبارهم وينابيعهم، كل ذلك أدى لتخفيض وتراجع مساحاتهم الزراعية.

لم تكن مصادر المياه في مناطق الأغوار تقتصر على الينابيع الجوفية والآبار الارتوازية، حيث كانت مياه نهر الأردن المتدفقة تشكل مصدرا أساسيا لري مساحات زراعية مترامية على طول ضفته.

في ذاكرة قدامى المزارعين؛ ذكريات وافرة عن هذه المرحلة الزراعية الذهبية، كان المزارعون يمتلكون عشرات المضخات المنتشرة على طول ضفة نهر الأردن، ويحصلون منه على كميات وفيرة من المياه جعلت الزراعة مزدهرة ومتطورة على ضفة النهر، هذه المضخات فقدها أهالي الأغوار، كما حرموا من حصصهم من مياه النهر نهائيا بعد احتلال المنطقة.

في هذا السياق، يوضح الباحث في شؤون المياه والأغوار وليد أبو محسن، أن مصادر المياه المتاحة لمزارعي الأغوار قبل عام 1967 كانت متعددة ووفيرة ومتاحة في كافة الأوقات، وهو ما جعل الزراعة في المنطقة قبل احتلالها مزدهرة جدا.

تعددت أساليب حرمان مزارعي الأغوار من مصادر مياههم، كما قال أبو محسن، فمع حرب عام 1967 استولت سلطات الاحتلال على كامل الأراضي المحاذية لنهر الأردن وتم عزلها نهائيا، نتيجة لذلك فقد الفلسطينيون وصولهم لمياه النهر وحرموا منها بشكل كامل، والآن لا يحصل الفلسطينيون على أية حصة من مياه النهر، إضافة إلى آبار وينابيع المياه التي جفت بفعل آبار شركة "ميكروت".

وفضلا عن الينابيع التي جفت، أحكم الاحتلال سيطرته على عيون مياه متدفقة كانت تشكل مصدرا مائيا حيويا لمزارعي الأغوار، سواء لري مزروعاتهم أو لسقاية مواشيهم أو لاحتياجاتهم اليومية، كما نوه أبو محسن، ومن أهم هذه الينابيع عين الساكوت التي تم الاستيلاء عليها في فترة مبكرة بعد عام 1967.

فيما يعمل المستوطنون خلال السنوات الأخيرة على الاستيلاء على ما تبقى من عيون مياه تستخدمها تجمعات الأغوار ومنها عين الحلوة التي تم الاستيلاء عليها قبل حوالي عامين، وعين خلة خضر التي تم الاستيلاء عليها خلال العام الجاري.

وتطرق أبو محسن إلى كميات المياه التي تمنحها شركة "ميكروت" لمزارعي الأغوار كبديل عن مياههم التي جفت، مؤكدا أن الكميات الممنوحة للمزارعين لا تقارن بما كان يحصل عليه الفلسطينيون من مصادر مياههم، بما فيها الآبار والينابيع ومياه النهر، ولا تفي بالاحتياجات الزراعية في المنطقة.

كما أن الحصول على هذه المياه يتم بتحكم كامل من سلطات الاحتلال، أي أن المواسم الزراعية والحياة في هذه المناطق محفوفة بمخاطر كبيرة من إمكانية قطع المياه في أي وقت.

وفقا لمعطيات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ، يقدر عدد الآبار الجوفية الفلسطينية الكلي في مناطق الأغوار، (والتي تقع ضمن محافظتي أريحا وطوباس وجزء من محافظة نابلس)، بحوالي 209 آبار، يعمل منها 89 بئرا فقط، وذلك لعدة أسباب، منها: قدم هذه الآبار والتي حفرت في أوائل الخمسينيات، وضحالة أعماقها، وهبوط منسوب المياه، وارتفاع نسبة الأملاح فيها، إضافة إلى سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة، وحرمان الفلسطينيين من تأهيل هذه الآبار.

ويضاف لذلك، وفقا للمركز، قيام إسرائيل بحفر العديد من الآبار العميقة، والتي تحول دون التغذية الجانبية للآبار الفلسطينية، ما يضعفها نتيجة اتجاه المياه إلى الأعماق السحيقة للآبار التي يحفرها الاحتلال، ويقدر معدل الاستخراج السنوي للآبار الإسرائيلية بحوالي 35 مليون متر مكعب.

فيما يوضح تقرير لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، أن إسرائيل سيطرت على معظم مصادر المياه في الأغوار وهي تخصصها للاستعمال الحصري تقريبا للمستوطنات.

ويضيف التقرير: "معظم عمليات التنقيب عن المياه في مناطق الضفة الغربية تتم في غور الأردن وتصل مخصصات المياه لصالح 9,400 مستوطن في المنطقة الناتجة من عمليات التنقيب عن المياه، ومن نهر الأردن، ومن مجمعات المياه الاصطناعية إلى حوالي 45 مليون متر مكعب سنويا. هذا التخصيص يتيح للمستوطنين تطوير الزراعة بصورة مكثفة، على مدار فصول السنة".