علينا أن نتوقف عند تصريح السفير الأميركي في إسرائيل توم نيدز، عندما قال لوسيلة إعلام إسرائيلية: "إننا سنكافح ضد أية عملية ضم للضفة أو أي جزء منها إلى إسرائيل". وقال: "الولايات المتحدة لا تؤيد الضم، وان معظم دول العالم تشاركنا هذا الموقف"، هذه التصريحات الهامة في توقيتها ومضمونها تدفعنا للتساؤل: ماذا لو كان توماس فريدمان سفيرًا لواشنطن في إسرائيل وترامب رئيسًا؟ فريدمان الذي كان يسكن في مستوطنة، كان هو ورئيسه حليفيْن مخلصين لهذا اليمين الفاشي الذي فاز في الانتخابات الإسرائيلية، ولم يكن فريدمان يخفي حماسه لضم الضفة.


لو كان هؤلاء في مركز القرار لكان الشعب الفلسطيني في خطر حقيقي أكثر بكثير مما نحن فيه، صحيح أن إدارة بايدن لم تفِ بغالبية وعودها بشأن القضية الفلسطينية، خاصة إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، لكن بالمقارنة مع ترامب وفريدمان لكان هؤلاء الإثنان عدوانيين وسافرَيْن ولكان ضم أجزاء من الضفة على الأقل مدرجًا على جدول الأعمال في تل أبيب وواشنطن. ومن المهم أن نلاحظ السياق الذي جاءت به تصريحات السفير نيدز، هو قال ما قاله ردا على دعوة سموتريش، أحد زعماء الصهيونية الدينية، لحل الإدارة المدنية في الضفة، وانه إذا تسلم وزارة الجيش الإسرائيلية سيكون أول قرار يأخذه هو حل هذه الادارة.
ما الذي يعنيه ذلك ولماذا رد عليه السفير الأميركي؟ 
إلغاء الادارة المدنية الذي يقول سموتريش انه سيلغيها سيعني ضمًا غير معلن للمستوطنات وإلحاقها مباشرة بالوزارات الإسرائيلية، فالإدارة المدنية هي من يدير شؤون المستوطنات حتى الآن. ولمعرفة خطورة الموقف، فإن المستوطنات تمثل 20% من مساحة الضفة، وهذا يشمل بالطبع المستوطنات المقامة في القدس الشرقية.
بضربة واحدة يريد سموتريش والحكومة الإسرائيلية القادمة تصفية إقامة الدولة الفلسطينية، ولكن كما هو واضح مما يتحدثون به منذ أكثر من عقدين، منذ أن اغتالوا رابين وعملية السلام، أن هدفهم هو ضم كل الضفة وإقامة إسرائيل الكبرى. الخطوة الثانية بعد المستوطنات سيحاولون ضم منطقة "ج". ومن ثم ضم الأغوار من هنا تأتي أهمية تصريح السفير الأميركي نيدز بأنه "سيكافح ضد ضم الضفة أو أي جزء منها".


علينا أن نتعامل مع تصريحات السفير نيدز بأنه موقف إدارة بايدن، هذه الإدارة التي بعثت برسائل لنتنياهو بأن لا يُشرك بن غفير وسموتريش في حكومته، علينا أن نحاول تصديق تصريحات السفير ونتعاون بشأنها بل ونبذل جهدًا جديًا ومتواصلاً من الإدارة الأميركية للحفاظ على هذا الموقف ونجعله فاعلاً ويقظًا. 


ولكن هذا الجهد وحده لا يكفي، فإلى جانب ذلك سنكون بحاجة إلى تصعيد المقاومة الشعبية ونجعل منها عملاً منظمًا ومتواصلاً على الأرض، لأنها هي الحاسمة ورافعة للجهد الدبلوماسي. 


ربما تشكل نتيجة الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، وفشل ترامب الشخصي فيها، نوعا من الدعم لمساعينا. فهذا الرجل وتياره اليميني الشعبوي في الحزب الجمهوري ألحق بنا وبقضيتنا ضررًا كبيرًا عندما قدم القدس الشرقية المحتلة هدية لصديقه نتنياهو، باعتبارها مع الشطر الغربي من المدينة عاصمة لإسرائيل، وكان من الممكن أن يلحق المزيد من الضرر لو حقق النتائج التي كان يرجوها في الانتخابات.


أما السفير الأميركي السابق، سفير ترامب، في إسرائيل، فريدمان، فالشعب الفلسطيني لديه مشكلة مع مواقف هذا السفير، فهو لم يكن فقط سافرًا في مواقفه الدعمة للاستيطان والتوسع والضم، بل كان يمارس عمليا في الجهد الاستيطاني مالاً وعملاً ميدانيًا، منتهكًا القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. 


من هنا نلمس الفرق بين فريدمان ونيدز، وبين إدارة إميركية وأخرى، ولكن دون أن نبالغ، وفي نفس الوقت أن نبذل جهدًا أكبر في متابعة ما هو إيجابي ونواجه بحزم كل ما هو سلبي تمامًا كما واجهنا إدارة ترامب وصفقة العصر.

المصدر: الحياة الجديدة