ليست معادلة في عالم الرياضيات، ولا خوارزميات، ولا لوغاريتم، ولاهي طلاسم أتى بها ساحر، إنها السحر الأجمل التي لا يفك طلاسمها ولا يمل من تتبع خوارزمياتها، ولا يحل معادلتها الاعجاز وهي الأسهل عند الأمي والعالم والكاتب على حد سواء، ولا يحسن قراءتها بصورتها ومعانيها وأبعادها، بتاريخها وحاضرها ومستقبلها إلا فلسطيني صرخ في اللحظة الأولى لتنفسه هواء جنة الدنيا: هذا الوطن لي، هذه الجنة لي، بياسمينها وبرتقالها وزيتونها بنخلة مريم، هذه الأرض وجبالها وسهولها ووديانها ورمالها وصخرها وأنهارها وينابيعها لي، هذه السماء وأبوابها بنجومها وكواكبها وعجائبها لي، هذه المقدسات كنائسها وأسفارها ومساجدها وآياتها، وترانيم وتراتيل المؤمنين لي.

المعادلة أعلاه أبدعها فلسطيني شاعر ملهم جاءنا من أعلى بقاع أرضنا المقدسة (فلسطين) ليحيي بنت الناصرة  ياسمين أحمد على اطلاق باكورة اعمالها الأدبية: "عروس على متن وطن" فإذا بنا أمام ربيع فلسطيني إنساني دخل إلينا حاملًا الحب والعشق النبيل دون تكلف، ربيع فلسطيني أزاح من ذاكرتنا المثقلة بالنقاط السوداء وركام المعاني المهدور دمها، كل أسماء (الربيع السياسي) الذي داهمنا بعواصف وأعاصير خربت ومزقت ليس ثوب الوطن في كل بلد وحسب، بل قطعت أوصال شرايينه وأوردته.

اختارت الكاتبة الفنانة الرسامة بالضوء والكلمة ياسمين أحمد تطبيق معادلة الشاعر سامي مهنا دون اتفاق أو موعد، فحملت بكرها الجميل من الناصرة  "عروس على متن وطن"  لتعلن ولادته من رام الله، في دار الهلال الأحمر الفلسطيني المزين بشعار الانسانية، وكأنها بهذه الرحلة من الناصرة إلى رام الله مرورًا بأريحا أم المدن المسكونة بالإنسان على الأرض هذا الوطن، فما بين الناصرة ورام الله وحيفا والخليل، ويافا وجنين، وصفد وغزة، وعكا ونابلس، وأم الفحم والنقب وطولكرم وقلقيلية وسلفيت، واللد والرملة هو ما بين النهر والبحر وما بين الجبال المتشحة ببياض الثلج في أقصى الشمال، وما بين الرمال الذهبية حتى أقصى النقب.

كتبت ياسمين أحمد في روايتها: "يجب أن تنتصر الإرادة والعزيمة على كل جيوش الخذلان والإحباط فأنا خلقت طفلة بريئة نقية جميلة وتشوهت ظلما وزورًا وبهتانا على يد أقرب الناس لي.. فعلي أن أنتصر وسأنتصر وأتربع ملكة وعروسًا على متن وطن.

وفي موضع آخر كتبت: "جلست أنا وهذه الصبية الدمشقية نتجاذب اطراف الحديث عن الحنين والشق للوطن.. إن الغربة صعبة جدًا ولايعرف قيمة السعادة التي تمسح سحابات الحزن عن المغترب حين يلتقي أبناء جلدته إلا الذي عاش التجربة.. أنا محظوظة جدًا.

كتبت صورًا شاعرية عن رام الله وغزة: "أصبحت بنت رام الله.. بل أنا عاشقة هذه المدينة تجتاحني نيران الشوق والحنين كلما غبت عنها".

تتمنى ياسمين أحمد المشبعة بالحب رؤية وطنها خاليًا من أغلال الاحتلال وحواجزه واعتقالاته وقرارات حظر التجوال، فهي بعد معاناة في عواصم، ومدن وجدت الشفاء في أرض الوطن، وتبوح بشعرها لنا: "ها أنا أشعر أنني ملكة متربعة على عرش الفرح.. أحلم.. وأحلم.. ومن حقي أن أحلم كعروس على متن وطن".

ما أجمل هذا النقاء! فبنت الناصرة تعشق رام الله وكأن روحها قد سكنت المدينة وتخشى- إن غادرتها- أن تخفَّ أحمال الحب للوطن المحمولة في قلبها.

المصدر: الحياة الجديدة.