تقرير: ليالي عيد
في القسم الغربي من حي الشيخ جرّاح بمدينة القدس المحتلة، المعروف فلسطينيا بـ"أرض النقاع"، تعيش المسنة فاطمة سالم مع أبنائها الثلاثة وعائلاتهم المكونة من 10 أفراد في منزل قديم متهالك، فالترميم هنا ممنوع بأمر من الاحتلال الإسرائيلي.
استأجر والد المسنة فاطمة المنزل عام 1948، ولدت وعاشت فيه بين أشقائها، وكبرت وتزوجت وأنجبت خمس بنات وثلاثة أولاد، ترعرعوا وتزوجوا، وما زالوا مرابطين فيه.
بدأت معاناة عائلة سالم عام 1987، حينما توفي والد فاطمة، حيث ادعى المستوطنون ملكيتهم للمنزل، وصدر قرار عن محكمة الاحتلال يقضي بإخلاء العائلة للمنزل، بادعاء عدم وجود إثبات أنها كانت تعيش فيه مع والديّها قبل وفاتهما، ولكن تمكنت العائلة حينها من توقيف قرار الإخلاء.
وتوالي سالم نبش الذاكرة، فتقول: منذ ذلك الحين والعائلة تقاسي أصناف العذاب من سلطات الاحتلال الإسرائيلي تارة، والجمعيات الاستيطانية والمستوطنين تارة أخرى، تتبدل الأدوات ومأساتنا واحدة.
وتستذكر معظم تفاصيل بداياتها الأولى في البيت المهدد: "وُلدت في حي الشيخ جراح عام 1952، واحتضنت جدرانه تفاصيل حياتنا، تزوجت فيه وأنجبت أبنائي الثمانية، واعتنيت بوالدي ووالدتي حينها".
عام 2012، فتح المستوطنون الملف مرة أخرى بهدف تنفيذ قرار المحكمة الصادر عام 1987 بموجب قانون "التقادم على حكم مدني"، الذي يتيح إمكانية تنفيذ الحكم حتى 25 عاما من تاريخ صدوره، وتسلمت العائلة قرار إخلاء جديدا عام 2015، وهذه المرة الثانية التي يصدر فيها قرار بالإخلاء، ومنحت لهم مهلة حتى تاريخ 29/ 12/2021.
ويقول ابراهيم سالم: عمري (38 عاما) ولدت هنا وسأموت هنا، منذ كان عمري 10 سنوات وأنا أعيش معاناة والدي، من مضايقات المستوطنين، واعتداءاتهم، حيث يحاولون تهجيرنا من بيتنا القائم على أرض وقف إسلامي من زمن صلاح الدين الأيوبي.
ويروي سالم بعضا من فصول المعاناة، بقوله: "أكثر ما آلمني وفاة والدي عام 2015، حين أصيب بجلطة قلبية بسبب تكرار اعتداءات المستوطنين، هذه الحادثة ما زالت تؤثر بي كثيرا، وما زلنا نعاني من اعتداءاتهم إلى اليوم، آخر هذه الاعتداءات كان الخميس الماضي، حين قام نحو 30 مستوطنا بتسييج قطعة أرض نمتلكها وتبلغ مساحتها 150 مترًا مربعًا بهدف الاستيلاء عليها، وحين حاولنا منعهم اعتدوا علي وعلى والدتي، والشرطة الإسرائيلية رفضت إزالة السياج؛ بحجة انتظار قرار المحكمة نهاية الشهر الجاري".
"أطفالنا يعيشون حالة قلق وخوف شديدين، ابنتي لم تتجاوز الست سنوات، ترفض الذهاب الى المدرسة خوفًا من اعتداءات المستوطنين"، يقول سالم.
"البستان" الصغير حول منزل أم إبراهيم لم يسلم من تلك الاعتداءات حيث حاول المستوطنون قطع شجرتي زيتون غرستهما قبل نحو ثلاثين عاما، تعلقت "أم إبراهيم" بالمكان وبالأشجار التي زرعها والداها قبل رحيلهما، وتقضي معظم نهارها بالعناية بأشجارها، فيما يتربص المستوطنون ويتحينون الفرص للاعتداء على المنزل وساكنيه وبستانه.
بطلا قصة معاناة عائلة سالم في الشطر الغربي من الشيخ جراح، نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس أرييه كينج، الملقب بـ"عراب المستوطنين" وعضو البلدية المتطرف يونتان يوسف (حفيد الحاخام عوفاديا يوسف)، ومن خلفهما شركة استيطانية أميركية تسمى "ديلا وير"، هما من يتوليان قضية إخلاء العائلة من منزلها، وهما اللذان سلّما العائلة قرار الإخلاء.
وكينج هو ذاته الذي أخلى المقدسي محمد شماسنة وزوجته وعائلته من منزله في حي الشيخ جراح بالقوة، واستولى على منزلين مقابله، وأسكن فيهما مستوطنين، ويواصل ملاحقة المقدسيين لتهجيرهم من بيوتهم والاستيلاء عليها، كما يجري في سلوان ووادي الجوز وغيرهما.
73 عاما وعائلة سالم تعيش في حي الشيخ جراح واليوم تواجه خطر التهجير القسري الوشيك، إرضاءً لرغبات شذاذ الآفاق، ممن عاثوا في أرض القدس فسادا وخرابًا، لكن أم إبراهيم تؤكد أنها لن تخرج من منزلها، إلا إلى القبر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها