تقرير: إسراء غوراني
لم تمض سوى أيام قليلة، بعد أن انتهى المزارع إبراهيم صوافطة من قرية بردلة بالأغوار الشمالية من بذر أرضه بالقمح والشعير، على أمل حصوله على محصول بعلي وفير مع بداية الصيف.
لكن الاحتلال لم يمهل هذه البذور للنمو، مدمرًا إياها بتسيير دباباته على مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالمحاصيل خلال التدريبات العسكرية التي يجريها في مناطق عدة من الأغوار الشمالية.
يقول صوافطة إنه بذر ما يزيد عن 25 دونمًا بالقمح والشعير في أرضه الواقعة إلى الغرب من قريته، فهو كغيره من مواطني القرية يعتمدون في دخلهم على الزراعة لتأمين قوت عائلاتهم وأعلاف مواشيهم التي يعتاشون منها أيضًا.
ويوضح أن غالبية المساحة التي زرعها هو وغيره من المزارعين في المنطقة تعرضت للخراب الكلي بفعل تدريبات الاحتلال، الذي يتعمد دخول الأراضي الزراعية وتسيير دباباته عليها وإجراء مناورات فيها.
ليست الأراضي المزروعة بالمحاصيل البعلية وحدها ما تضرر بفعل التدريبات، فهناك مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالمحاصيل المروية غربي بردلة باتت مهددة بالعطش بعد أن حطمت جنازير الدبابات خط المياه الذي يغذيها.
بدوره، يؤكد المزارع ضرار صوافطة أن الخط الذي تعرض للتدمير بفعل الدبابات قبل أيام، تعتمد عليه مئات الدونمات الزراعية المروية في الجهة الغربية من القرية، حيث تم مده قبل خمس سنوات بطول 4,800 متر، لإنعاش وتطوير الزراعة في المنطقة، لكن يتعمد الاحتلال تدميره كل عام خلال تدريباته العسكرية، إضافة لتعمده إتلاف مساحات واسعة من المحاصيل، مشيرًا إلى أن تكاليف إصلاح ما يدمره الاحتلال باتت تفوق طاقتهم.
ويضيف أن الاحتلال على مدار العام يلحق الضرر بالمحاصيل الزراعية بشتى الطرق، ويحاول إفساد المواسم التي تشكل عماد اقتصاد المنطقة وأساس دخل المواطنين.
ويتخذ استهداف الاحتلال للزراعة في بردلة وغيرها من مناطق الأغوار أشكالاً ووسائل عديدة، وفقًا لصوافطة، أهمها تخريب مساحات واسعة من المحاصيل خلال فترة التدريبات العسكرية، إضافة لتدمير خطوط وبرك تجميع المياه الزراعية، والاستيلاء على الجرارات الزراعية خلال عملها في حراثة الأراضي، وفرض غرامات مالية باهظة لاستعادتها.
ووفقًا لتقديرات محلية؛ تتبع لقرية بردلة قرابة العشرة آلاف دونم من الأراضي الزراعية، نحو ثلاثة آلاف منها مروية والأخرى بعلية، وكلا الشقين من الزراعة مستهدف من الاحتلال، فالزراعة المروية تراجعت بشكل كبير منذ احتلال الأغوار عام 1967 بفعل تجفيف وإغلاق غالبية منابع المياه التي كانت تعتمد عليها القرية وحفر آبار من قبل شركة المياه الإسرائيلية التي أصبحت تتحكم بتزويد القرية بكميات قليلة من المياه لا تكفي للاحتياجات اليومية للمواطنين ولأغراض الزراعة، ولم يكتف الاحتلال بذلك حيث يعمل على هدم برك تجميع المياه التي يستخدمها المزارعون لتوفير مياه زراعية، كما يعمل على هدم وتدمير الخطوط الناقلة التي تزود الأراضي الزراعية بالمياه في مناطق عديدة من الأغوار.
وفيما يتعلق بالمحاصيل البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار لم تكن أفضل حالاً مع وجود الاحتلال، فأصبح انتاجها في مختلف مناطق الأغوار ضئيلاً ولا يفي باحتياجات المواطنين نظرًا لانتهاكات الاحتلال التي تتمثل بالاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي تحت ذرائع واهية، إضافة إلى استهداف المحاصيل البعلية مع بداية موسم زراعتها من خلال إجراء تدريبات عسكرية ما يؤدي إلى تلف غالبيتها مع بداية النمو، كما أن ما ينجو من هذه المحاصيل يحترق غالبيته بسبب تدريبات الاحتلال التي تجري في هذه المناطق بموسم الحصاد في فصل الصيف.
ويضيف صوافطة أنَّ كل هذه العوامل يعمل الاحتلال من خلالها على تضييق سبل عيش المواطنين في الأغوار ومحاربتهم في مصادر رزقهم، ليضطروا للرحيل عن أراضيهم، مؤكدًا أن استهداف المحاصيل الزراعية بهذا الشكل يدمر اقتصاد المنطقة بأكملها، فنتيجة لقلة المحاصيل البعلية، وبسبب الاستيلاء على الأراضي، قلت أعداد الثروة الحيوانية بشكل كبير في مختلف مناطق الأغوار، ففي قرية بردلة على سبيل المثال يوجد حاليًا 6 آلاف رأس من الماشية، بينما كان يبلغ عددها 12 ألف رأس قبل حوالي 20 عامًا.
وفي سهل البقيعة هناك حكاية أخرى تلخص حجم حرب الاحتلال على الزراعة، فقبل أقل من شهر دمر الاحتلال خط مياه بطول كيلومترين، يصل الأراضي الزراعية في الجهة الشرقية من السهل، وهذا الخط كان المزارعون يعولون عليه لإحياء الزراعة المروية في الجزء الشرقي بعد أن كانت معدومة بسبب عدم وصول الماء إليه.
قبيل تدمير خط المياه كان المزارع نظير بشارات قد انتهى من حراثة وتجهيز 150 دونمًا من الأراضي في السهل، يمتلك جزءًا منها ويستأجر جزءًا آخر استعدادًا لزراعتها بالعنب والخضروات ما يوفر له ولعائلته دخلاً جيدًا، خاصة أنه يعتمد في دخله كباقي المواطنين في المنطقة على الزراعة بشكل أساسي.
ويشير إلى أن انتهاكات الاحتلال ومحاولة عرقلة المزارعين في المنطقة كانت مستمرة على مدار الفترة الماضية ولم تقتصر على تدمير الخط، فكانت قوات الاحتلال تتعرض للمزارعين بالمضايقة من خلال المخالفات والاستيلاء على المعدات الزراعية، وقبل أيام من تدمير الخط اقتحمت السهل واستولت على جراره الزراعي أثناء حراثته الأراضي.
ويلاحظ أن سلطات الاحتلال خلال مواسم الحرث والزرع سنويًا تصعد من وتيرة ملاحقة الجرارات الزراعية والاستيلاء عليها، كان آخرها الاستيلاء أمس على جرار زراعي يعود للمواطن علي زهدي أبو محسن خلال عمله في منطقة الفارسية. وكانت قد استولت مطلع الشهر الجاري على ستة جرارات زراعية من خربة الرأس الأحمر.
ووفقًا للناشط الحقوقي عارف دراغمة، فإن سلطات الاحتلال على مدار العامين الماضيين استولت على 35 جرارًا زراعيًا في مناطق الأغوار الشمالية، وهدمت ثماني برك تجميع مياه، كما نفذت ست عمليات هدم لخطوط نقل المياه الزراعية استولت خلالها على 13 كيلومتر من هذه الخطوط.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها