تقرير: إسراء غوراني

كوب من الشاي كاد أن يكلف المواطن محمود عنبوسي، من خربة يرزا بالأغوار الشمالية، حياته.

قبل أيام أراد عنبوسي (46 عاما) أخذ قسط من الراحة بعد جولة امتدت لساعات لرعي أغنامه في الأراضي وسفوح الجبال في المناطق المجاورة للخربة، جمع الحطب لإعداد الشاي، وبعد إشعال النار انفجرت به قنبلة من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي، كانت مدفونة تحت التراب، وأصابته بجروح بليغة في قدمه اليمنى.

عنبوسي يرقد على سرير الشفاء في مستشفى طوباس التركي الحكومي، يقول: إنه عقب الانفجار شعر بألم شديد في قدمه، حيث استجمع قواه وامتطى حصانه بصعوبة بالغة متجها إلى منزله، ومنه نقل إلى المستشفى، حيث أجرى له الأطباء عملية جراحية، ويحتاج الآن للمراقبة والمتابعة.

لم يشفَ هذا المواطن بعد من جروح قديمة، أصيب بها قبل 20 عاما، نتيجة التدريبات العسكرية التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي باتت أكثر ما يؤرق حياة المواطنين في خربة يرزا وغيرها من مناطق الأغوار الشمالية.

وعن إصابته يتحدث عنبوسي الأب لسبعة أبناء أن الرصاص اخترق الجهة العلوية من ظهره بينما كان جالسا في منزله في ذلك الحين، حيث كان جيش الاحتلال ينفذ تدريبات في يرزا، ولليوم تستقر رصاصة في جسده، بعد أن آثر الأطباء عدم إزالتها، لأن ذلك يشكل خطرا على حياته.

يقول عنبوسي إن المخلفات تشكل خطرا كبيرا على حياة المواطنين خاصة رعاة المواشي، وخلال السنوات الماضية استشهد وأصيب العديد منهم على إثرها، كما أن الأهالي في حالة قلق دائم على أطفالهم.

على مدار العقود الخمسة الماضية منذ احتلال الأغوار استشهد العشرات من مواطنيها وأصيب المئات جراء مخلفات التدريبات العسكرية، التي تعتبر إحدى أكبر المخاطر المحدقة بحياة المواطنين ومصادر أرزاقهم في المنطقة.

يقول الباحث في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي، إن الاحتلال ينفذ تدريباته عدة مرات سنويا في مناطق واسعة من الأغوار الشمالية، كما أنه يغلق مساحات واسعة ويصنفها مناطق "إطلاق نار"، مؤكدا أن التدريبات تجري بالمعدات الثقيلة والدبابات والذخائر الحية.

ويضيف: "يتعرض سكان الأغوار لانتهاكات كبيرة قبل التدريب وخلاله وبعده، حيث يتم إخلاؤهم من مساكنهم قسرا قبله، ويتعمد الاحتلال خلاله إصابة أهداف فلسطينية مثل خزانات المياه والخيام السكنية وحظائر الماشية وتخريبها، كما يتم تدمير المحاصيل الزراعية والرعوية والتي تشكل أساس دخل السكان إلى جانب الثروة الحيوانية".

تمتد التدريبات التي ينفذها الاحتلال لفترات تصل في كثير من الأحيان إلى أسبوعين أو أكثر، ويبقى السكان الذين هجروا من مساكنهم خلالها في العراء مع أطفالهم ومواشيهم، يتنقلون بين سفوح الجبال، لا يملكون ما يقيهم حر الصيف أو برد الشتاء.

وبعد انتهاء التدريبات يواجهون مخاطر كبيرة، لأن الجيش يترك القذائف والقنابل مكانها ولا يزيلها، وتصبح عاملا مهددا لحياتهم، وغالبا ما تنفجر بالأطفال أثناء اللهو وبالرعاة خلال رعيهم الماشية.

منذ العام 2015 وحتى الآن تم توثيق ارتقاء شهيدين، و13 إصابة جراء انفجار مخلفات تدريبات الاحتلال بالأغوار الشمالية، وفقا لموقدي.

ويشير إلى أن الاحتلال يتعامل مع هذا الموضوع باستهتار كبير، و"طالبنا من خلال الارتباط الفلسطيني والمؤسسات الرسمية الفلسطينية ومن خلال الأمم المتحدة الاحتلال بإزالة المخلفات بعد انتهاء التدريبات لكنه لم يستجب".

ويؤكد أن ممارسات الاحتلال بهذا الخصوص مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة والمواثيق الدولية، حيث تمنع هذه المواثيق ترحيل السكان الأصليين من بيوتهم، كما أن وجود مخلفات الحرب بين البيوت السكنية يعتبر نوعا من أنواع جرائم الحرب.

ويوضح تقرير نشره مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، عام 2018 أن "أحد الأخطار الكامنة في إقامة التدريبات قرب التجمعات والقرى الفلسطينية مخلفات الذخيرة التي تتركها قوات الاحتلال وراءها بعد التدريب. منذ 2014 قُتل على الأقل ثلاثة فلسطينيين وجرح خمسة على الأقل جراء انفجار مثل هذه الذخيرة".

ويضيف التقرير: "تواتر التدريبات العسكرية داخل المراعي والأراضي الزراعية يقلص المساحات المتوفرة للرعاة ويتلف المزروعات. تقليص مساحات الرعي يمس بمصادر رزق السكان إذ يضطرون لشراء الأعلاف لقطعانهم بديلا عن الغذاء الذي توفر لها سابقا في المراعي الطبيعية. إضافة لذلك لا يستطيع المزارعون الوصول إلى أراضيهم وفلاحتها أثناء إجراء التدريبات وبعض مزروعاتهم تُسحق تحت جنازير الدبابات والمركبات المدرعة".

وتوضح بتسيلم: "يقوم الجيش بهذه التدريبات كجزء من سياسة تتبعها إسرائيل منذ سنين طويلة سعيا منها إلى تهجير سكان التجمعات الفلسطينية من المنطقة. عوضا عن تهجير السكان علانية عبر تحميلهم على ظهر الشاحنات تبذل الدولة جهودا كبيرة في توليد ما يبدو وكأنه هجرة طوعية إذ تفرض عليهم واقعا معيشيا لا يُطاق يُجبرهم في نهاية الأمر على مغادرة منازلهم ومناطق سكناهم وكأنما بإرادة منهم. صمود السكان الفلسطينيين وبقاؤهم فوق أراضيهم يعني تعرضهم يوميا لآثار السياسة القاسية الموجهة ضدهم عبر التدريبات العسكرية المتكررة أو بوسائل أخرى تشمل فيما تشمله، هدم المنازل وعنف المستوطنين والحرمان من الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه الجارية".