لا معنى لقول أو خطاب عن الديمقراطية ما لم نبتهج بحسن تطبيقاتنا لمنهجها، ولا فائدة ترجى من أي سياسي ما لم ينتصر للتجربة الوطنية الديمقراطية أولا وأخيراً، فأتباع مدرسة الديمقراطية يعتقدون أنهم في كل مرة يقدمون على خوض مسار من مساراتها العملية المتعددة ومنها الانتخابات مثلا، أنهم بصدد اختبار البرنامج الأنسب للنجاح، وكذلك النجاح في إثبات صوابه وإمكانية تنفيذه على أرض الواقع، ليس في إطار (الكيان السياسي) أو النقابي وحسب، بل في الدائرة الوطنية التي تعتبر نتاجا لتجارب نقية خالصة من شوائب التعصب الحزبي، وأنهم بذلك يمنحون الحياة السياسية والنقابية معناها الحقيقي وهو: "فن وعلوم إصلاح الأمور".  
يهتم كل كيان سياسي ويعمل لتحقيق الفوز في مسار الانتخابات الحرة النزيهة باعتبارها مع حرية الرأي والتعبير التشكيل والتكوين الأجمل المعبر عن فكرة الديمقراطية في لوحة الوطن والانتماء الوطني، والبناء المعماري المتين والجميل لهياكل ومؤسسات الدولة، ونعتقد أن العمل لأجل تحقيق هذا الهدف وفق هذه الرؤية حسب تقديرنا حق طبيعي لا جدال فيه، لكن السياسي ذا الأفق المغلق قد يصيب منهج الديمقراطية بمقتل أو بشلل يودي بها إلى العناية المركزة، إن اعتبر المنافسة في مسار الانتخابات بمثابة منازلة أو صراع وجودي، فيعتبر نفسه مصارعا فائزا في (حلبة الموت الرومانية) حيث كان (الأسرى) يجبرون على القتال مع بعضهم واحدا ضد آخر حتى الموت، وسط تشجيع الجمهور وغبطة الإمبراطور وحاشيته!! قبل أن تتحول المبارزة الدموية إلى اللعبة الأكثر شعبية وأهمية سميت باللغة اللاتينية  "GLADIATOR" وتعني "السياف "حيث نظمت بقوانين وطقوس، ومارسها محترفون دربوا خصيصا لتهيئتهم للقتال حتى الموت أيضا داخل حلبات الموت الرومانية!.  
  برزت تأويلات وتفسيرات وتوصيفات كثيرة لنتائج انتخابات نقابة المهندسين الفلسطينيين، وطافت على وجه السيل العرم من المواقف في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بيانات رسمية ومنشورات على حيطان الشبكة العنكبوتية، ما يوحي بأن المهندسين الفلسطينيين كانوا أثناء ممارسة حقهم بالتنافس الديمقراطي للفوز بمجلس النقابة ومكتب رئاستها وكأنهم خرجوا من "الكولوسيوم" المعروف "حلبة المصارعة الرومانية" ورموا خلفهم إنجازات عظيمة للمهندسين الفلسطينيين في الوطن وفي أقطار عربية ومنها الخليجية تحديدا، ما زالت تشيد بكفاءاتهم وخبراتهم التي جسدوها عمليا في مشاريع أثبتت صلابتها ومقاومتها لكل العوامل المضادة، وهنا لا بد من ذكر شهادة المختصين من دولة الكويت الشقيقة في صمود مشاريع هندسية صممها ونفذها المهندس ياسرعرفات – رحمه الله – قياسا بمشاريع حديثة انهارت إثر أول طارئ مناخي عليها، أما فوز أربعة مهندسين فلسطينيين شباب خريجين جدد بأحسن تصميم حديث لميناء بيروت، ضمن مسابقة عالمية، لينشأ مكان المدمر حاليا. 
لا يمكن لوطني معني حقا بتطبيقات منهج الديمقراطية كأسلوب حياة، أن يغفل عن فوز مهندسة فلسطينية بموقع رئيس نقابة المهندسين، ونحن نعلم أن رئاسة النقابات والاتحادات ما عدا النسائية منها كانت تبدو وكأنها مصممة للرجال فقط !! ولا يمكن لمعني بنجاح نقاباتنا الوطنية ألا يبارك للمهندسين الفلسطينيين اختيارهم مهندسة بخبرات وكفاءات وشهادات وطنية وعربية ودولية لتقودهم في موقع النقيب الذي يحتاج إلى عقلية قيادية إلى جانب الخبرة المهنية، ونتطلع بكل إخلاص نحو نجاح للمهندسة ناديا حبش لإثبات قدرتها في الجمع بين الخبرة المهنية والقيادة النقابية، متحررة من النظرات الحزبية الدعائية الشعبوية التي غالبا ما تأخذ المنافسة الوطنية الديمقراطية وتقحمها في ميادين التعصب المسورة بعبارات ومصطلحات تجعل المواطن العادي ينفر من عملية التنافس الديمقراطي، ويراها مجرد مناسبات لإظهار مدى وعمق الخصومات السياسية.  
قد يكون الانتماء السياسي مهما في مثل هذه المنافسات المشروعة ونتائجها، لكن الانتماء الوطني أهم، فهو المعيار الحقيقي لقياس درجة حرارة الوفاء للوطنية الديمقراطية، والديمقراطية الوطنية، ومن هنا يبدأ الامتحان، فكما نجحت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في تجسيد هذه العلاقة المتداخلة لدرجة الانصهار  في درب الوطنية والديمقراطية على الصعيدين التنظيمي والوطني، فإن ثقتها بنجاح الوطنيين الفلسطينيين التقدميين في المهمة ودعمها لهم من أجل النجاح، سيبقى مبعثها ومقصدها وهدفها الوطن، الشعب والقضية وتحرر الإنسان وتحرير الأرض، وبناء نموذج ديمقراطي يحتذى.