هل ستنتهي "الترامبية" مع تسليم دونالد ترامب عهدة البيت الأبيض  إلى الرئيس المنتخب جو بايدن، أم أنه بات  (للترامبية)- نسبة إلى أسلوب ومنطق ومفهوم وفعل ترامب السياسي- في الحكم جذور متشعبة وعميقة يصعب في الولايات المتحدة الأميركية اقتلاعها؟!

 قد يصعب الإجابة على هذا السؤال قبل مضي مئة يوم على ولاية الرئيس السادس والأربعين جو بايدن، التي ستبدأ في العشرين من يناير كانون الثاني  القادم،  وقد تكون الفترة الفاصلة بين أيامنا هذه وموعد تسليم واستلام عهدة الحكم مؤشرًا قويًا على مدى وعمق وسعة الترامبية  ليس في نظام الحكم وحسب، بل لدى الجمهور ألأميركي الذي بلغت أصواته المؤيدة لترامب عشرات الملايين، وربما تكون هذه الفترة معيار حكم على ما سيكون عليه حال الاتحاد الأميركي من ناحية، وحال الثقة بالديمقراطية والحرية والعدالة كمبادئ جامعة للأميركيين على تنوع  أعراقهم  وثقافاتهم التي برزت تناقضاتها في أفصح وأوضح صورة خلال السنوات الأربع الماضية من حكم ترامب.

انكفاء الترامبية يعني تجميد مشروع استعماري جديد في منطقتنا العربية، لكن لن يلغى من دماغ المركز الناظم للسياسة الأميركية إلا إذا أُصيب بانكسار أو هزيمة  وهذا ممكن إذا اتخذ المعنيون من الرئيس محمود عباس نموذجًا للتصدي وصراع  الإرادات، فرأس المشروع وذراعه القوية منظومة الاحتلال الاستعمارية الاستيطانية العنصرية قابل للانكسار أو إحداث شروخ في الحد الأدنى، وهذا ممكن بانسجام الرؤى وخطط عمل المعنيين باستعادة روح الشرعية والقوانين الدولية، وتجسيد إرادة المجتمع الدولي ومنع الهيمنة عليه.

الترامبية أسلوب حكم فظ استعلائي، جعل امكانية تكاثر العنصرية، والاستيلاء على حقوق الآخرين بالحياة والتصرف بها ممكنًا في عز زمن انتشار الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان كمنهج عصري للإنسانية، وجعل مخالفة القوانين والمواثيق والشرائع الدولية  تبدو أقل شأنا من مخالفات السير، وجعل من عملية الانقلاب عليها ومصادرة قراراتها  ومنع تنفيذها  مثالا لدكتاتورية  الدولة العظمى التي من المفترض أن تكون ضمانة لتنفيذ ارادة  المجتمع الدولي، فترامب مضى إلى أبعد الحدود في معاداة الشرعية الدولية، وجعلها خصمًا وكل ذلك لحماية قاعدته المتقدمة في منطقة الشرق الأوسط ( اسرائيل) التي تقودها وتتحكم بها منظومة احتلال واستيطان استعماري بما يخدم مصلحة رابي المشروع الاستعماري الجديد دونالد ترامب.

الترامبية تضليل وضلال، كذب وخداع، غطرسة وإخضاع، ومعارك مفتوحة في كل الاتجاهات لم تكن واحدة منها في صالح الشعب الأميركي، وانما تصب في مصالح مراكز القوى التي رفعت ( الترامبية ) وسندتها لتكريسها كمنهج بديل عن مناهج العلوم السياسية وفلسفة السياسة للتعامل بين الدول، ولعل قيادتنا السياسية كانت أكثر المستهدفين في مرماها، رغم إبداء الرئيس أبو مازن إخلاصًا وصدقًا في توجهاته السياسية ارتكازا على مصالح الشعب الفلسطيني ومبادئه وقيمه وأهدافه في تحقيق سلام قائم على قرارات الشرعية الدولية، لكن ترامب رغم قوته لم يستطع فرض نفسه وإدارته على مسار الحل السياسي، بسبب إساءة تقدير موقف الشعب الفلسطيني وقيادته التي اتخذت قرارًا بإخراج إدارته من رعاية  المسار السياسي للحل، بعد جملة من قرارات ترامب التي أصابت كبد الشعب الفلسطيني وقمن مكانتها كراعية لعملية السلام، وستكون هلب قضيته، كقرار اعتبار ترامب القدس عاصمة  لمنظومة الاحتلال ونقل سفارته اليها، وضم الجولان السوري، وحملته الاستعمارية صفقة القرن التي بدأها بوجه اقتصادي ن ليكشف بعدها عن حقيقتها  ويتبين للعالم ان خطة نتنياهو للضم كانت منسوخة حرفيًا من نصوص خطة ترامب ( صفقة القرن ) وقد تكون استجابة العالم لتطبيق رؤية رئيس دولة فلسطين محمود عباس التي نالت إجماعًا دوليًا وأقرها  مجلس الأمن قبل أيام. نحو عقد مؤتمر دولي في بداية العام القادم مؤشرًا قويًا على مدى انكفاء الترامبية أو حتى انكسارها، فكلما قدم العالم حلولاً عادلاً للقضية الفلسطينية واستطاع فرضها بإرادة الانتصار لقرارات الشرعية الدولية، كلما انخفض  مؤشر خطر الترامبية التي لا يؤمن شرها حتى لو سلم مؤسسها بأمر نتائج الانتخابات وخرج من البيت الأبيض. 

الترامبية أفرغت قاموس الإنسانية  والسلام  من مفرداته وتركته مجرد كراس يكتب فيه ترامب مفردات الحرب والظلم وفنون سرقة مقدرات وأموال الشعوب عبر صفقات ربح هو دولاراتها وافقد حكام دول شرفهم وشرعيتهم.. وستبين لنا الأيام والشهور القادمة فيما إذا كانت الترامبية جذور شجرة مُرّة أم قشورًا.