على مدى أربع ساعات، استمعت وشاهدت من على شاشة تلفزيون فلسطين إلى البث المباشر لاجتماع الوحدة الفلسطيني، لم تنقله أيُّ محطة فضائية عربية تتسابق عادة لبث مباشر لكلمات ذوي شأن وأحداث أقل أهمية بكثير، لكنه الخروج الفلسطيني الموحّد عن برامج الأسياد مهما علا شأنهم ونفوذهم وتأثيرهم.
بداية لفت نظري مشاركة كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى قائدي حركة حماس والجهاد، المنظمات الأم وتلك التي انشقّت عنها، ما عدا من انشقَّ عن حركة فتح، فقد ذهبوا بلا أثر، لأن الدول التي احتضنتهم، هي التي دفنتهم لعجزهم عن إحداث أي تغيير. المشهد مهيب، رغم بعض الأصوات التي تسلَّل اليأس إلى قلوب أصحابها، فقلَّلت من قيمة هذا الاجتماع، لأنها تسترجع من تاريخنا المعاصر، اجتماعات ولقاءات كثيرة لم تثمر عن شيء، وأجد عذرًا لهم، فكل ما يحيط بالفلسطينيين أجواء ضبابية وغيوم سوداء، فكيف نرى بقعة مضيئة، تبعث على الأمل، خاصة أن المجتمعين بينهم ثارات وولاءات أمعنت في إحداث جراحٍ غائرة في الجسد الفلسطيني.
راقبت لغة الجسد مع الاستماع الجيِّد  للكلمات. تحدّث الرئيس محمود عباس بصوته وحركات جسده بغضب المطعون بخناجر مسمومة، ولسان حاله قول المتنبي لسيف الدولة الحمداني:
وسوى الروم خلف ظهرك روم … فعـلى أيِّ جانبيـك تميـل
وأعتقد أن كل فلسطيني وعربي مؤمن بتاريخه ووحدة المصير يردد هذا البيت من الشعر، فالروم بالموقف والرؤيا يحاصروننا ويوغلون في دمنا قولاً وفعلاً. لم يستسلم سيف الدولة للروم ومناصريهم، كذلك نحن، الشعب والفصائل، رغم الجراح الغائرة، لم ولن نستسلم...إنّه ليس قولاً في الهواء، وإنما هو الوعي والإرادة.
شارك في اجتماع الصحوة الوحدوي الكل الفلسطيني، صحيح أنَّنا استمعنا إلى خطابات طويلة، لكنها بموقف جوهري إيجابي: لنعمل بالقاسم المشترك الأعظم بيننا، وكانت كلمة محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، مهمة ولافتة  للنظر ومعبرة عن موقفٍ واعٍ لأهلنا داخل الخط الاخضر، تؤكد على أهمية العمل الموحد رغم الاختلاف في الرؤى أحيانا.
البيان الختامي في ختام الاجتماع لخّص النتائج المرجوة، وأعلن عن تشكيل اللجان المطلوب أن تحوِّل نتائج الاجتماع إلى برامج وخطط، ومن أهمها الجملة الختامية في البيان:
"وفي هذا الاجتماع التاريخي المنعقد اليوم، ينطلق الفعل الفلسطيني على قلب رجلٍ واحد تحت مظلة م. ت. ف، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، بمبادرة شجاعة ومسؤولية وطنية عالية من الأخ الرئيس أبو مازن، رئيس دولة فلسطين، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمناء العامين للفصائل، للشروع في جهدٍ وطني مبارك يستجيب للرغبة الوطنية الصادقة، وينسجم مع أهدافنا ومبادئنا ومنطلقاتنا التي تحتم علينا الترجمة الحقيقية لإنهاء الانقسام، وإنجاز المصالحة، وتجسيد الشراكة الوطنية الفلسطينية".
أشار الرئيس محمود عباس إلى أهمية الانتخابات في تشكيل مؤسسات المنظمة ودولة فلسطين، والأهم موقفه النهائي بأنه لن يضع (فيتو) على أحد وأنه سيلتزم بقرارات اللجان مهما كانت...إنه يضع القرار في يد الكل الفلسطيني، في موقف تتجلى فيه الرغبة الصادقة في تصليب وحدة الموقف الفلسطيني.
الأمل أن يكون تفاؤلي في مكانه، وأتمنى أن تبارك الدول التي تبارت في احتضان كل أشكال الانقسام والتشتت، بالمال والانحياز، والقفز على منظمة التحرير الفلسطينية أن تراجع موقفها، ولا بأس من اجتماع لها نظير لاجتماع الوحدة الفلسطينية، فتلملم جراحها، وتتراجع لاحتضان القول الفلسطيني الفصل، "ينطلق الفعل الفلسطيني على قلب رجلٍ واحد تحت مظلة م. ت. ف، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا".