ربما تكون مقولة "السياسة فن الممكن" هي الأكثر ملاءمة للواقع الفلسطيني، الذي تواجه فيه الحكومة جائحة الكورونا. في ظل غياب السيادة، وعدم سيطرة الدولة على أرضها ولا على حدودها. وفن الممكن في السياسة هو مبدأ واقعي وليس الهدف منه الاستسلام للواقع بل السيطرة ومن ثم التغيير دون ارتكاب أي مغامرة.

ولكي لا نبالغ وننشغل في جلد أنفسنا، وإضاعة الوقت في تبادل التهم بين الحكومة والمواطن، علينا أن نركز على ما هو ممكن وعملي لمواجهة الكورونا في ظل واقع على الأرض غاية في التعقيد. كما يجب أن نأخذ بالاعتبار، ونحن نبالغ في جلد الذات، أن دولاً ذات سيادة، دولاً عظمى سقطت في إمتحان الكورونا، وبدت حكومات ورؤساء مثارًا للسخرية، لكونهم كانوا يقنعون شعوبهم أن لديهم عصا سحرية  لكل المشاكل الى أن جاءت الكورونا وكشفت مدى هشاشتهم.

ما هو الممكن والعملي في ظل غياب السيادة وعدم القدرة على التحرك وتنفيذ السياسات والقرارات؟ خلال حياتنا اليومية نتناسى نحن الفلسطينيين أو نرغب في الشعور بنسيان الاحتلال والواقع الناجم عن وجوده فوق صدورنا، وهذا النسيان هو ضرورة أحيانًا كي نستطيع أن نعيش ونصمد.

ومن وجهة نظري أن الممكن يبدأ بادراك الواقع وفهمه جيدا حكومة ومواطنا، لأن هذا الفهم يجعلنا نتخلى عن سلبيتنا وأن نكون متعاونين ومتضامنين. أما من جانب الحكومة فإن الممكن  في ظل غياب السيطرة القيام يلي:

أولاً: في المدن والبلدات التي فيها سيطرة تامة ومن أجل خلق التوازن بين الصحة والاقتصاد، على الحكومة أن تفرض وتراقب بحزم إجراءات السلامة وقد باتت معروفة للجميع، لبس الكمامة حال الخروج من البيت، مع الاحتفاظ بالمعقمات مع الشخص أينما يذهب، وأن تتم مراقبة تحقيق التباعد في الاماكن العامة وتطبيق ذلك تطبيقًا صارمًا.

ثانيًا: منع التجمعات بِشكلٍ قاطع، ومن دون أي مرونة في التطبيق والمراقبة، وهذا يشمل الاجتماعات التي تزيد عن عشرين شخصًا. ويشمل الأعراس والعزيات وكل أشكال الحفلات.

ثالثًا: في المناطق الريفية المصنفة بي وسي، على الحكومة بما لديها من صلاحيات وأجهزة وبدعم من التنظيمات والمجتمع المدني أن تشكل هيئات ولجانًا شعبية تقوم بدعم المجالس المحلية في مراقبة وتطبيق الإجراءات، وتتم متابعة الوضع وتقييمه يوميًا عبر تقارير تقدمها هذه الهيئة أو اللجنة الشعبية الى الحكومة وهذه الأخيرة تتابع أولاً بأول المستجدات.

رابعًا: الجائحة تشكل فرصة لاعادة النظر بواقع قطاع الصحة، من حيث البنى التحتية والمعدات والكادر والسياسات والرواتب، وخلال ذلك يتم وضع كل ثقل وجهد الحكومة خلف القطاع الصحي وتزويده بكل ما يلزم.

خامسًا: تفادي أي تخبط في قرارات الحكومة بشأن الكورونا. فخسارة المعركة تبدأ مع فقدان المصداقية، وطرح سقوف عالية. أن اطلاع الجمهور على القدرة والإمكانيات الحقيقية يساعد على خلق حالة التضامن والتكافل والالتزام بالإجراءات.

سادسًا: كما عليها القيام بعملية التثقيف والتوعية الدائمة لمخاطر الفيروس وكيفية تفاديه. هذه المهمة ليست مهمة الحكومة والإعلام الرسمي فقط، بل هي مهمة الفصائل والمجتمع المدني أيضًا، وعلى الأخير أن يقوم بدوره بإيجابية وألا يجلس على المقاعد ويكتفي بتوجيه النقد ومناكفة الحكومة.

سابعًا: أما المواطن فعليه أن يدرك أنه يتحمل مسؤولية سلامته وسلامة المجتمع، فعليه أن يلتزم التزامًا تامًا بالإجراءات، وعليه ارتداء الكمامة بشكل صحيح فهي ليست ديكورًا أو إنها رخصة للمرور، فهي مسألة حياة أو موت.

إن هناك إمكانية لمواجهة الجائحة والتغلب عليها حتى في ظل واقعنا المعقد إذا كنا متحدين ومتعاونين وصارمين في تطبيق
إجراءات السلامة. والأهم من ذلك كله أن ندرك أننا في لحظة سياسية مصيرية هي بحد ذاتها تقتضي الوحدة والتضامن.