في زمنٍ يحاول المحتل الإسرائيلي نفي كل الحقائق وقلبها ويحاول إعلامه ليل نهار ليس فقط تأكيد القتل بل أيضًا تشويه الضحية، ففي بلدة يعبد شمال الضفة الغربية يقتحم الجنود الإسرائيليون بكامل عتداهم وأسلحتهم يروعون النساء والأطفال ويعتدون على الصبية والشبان لا يقيمون وزنًا لحرمة البيوت ولا لحياة البشر يفتشون الصغار والكبار على الحواجز العسكرية ولا تسلم من عبثهم وتحرشاتهم حتى سيارات الإسعاف والمرضى وعيونهم ترقب كل تحركٍ صغيرًا كان أم كبيرًا.

 كتائب عسكرية لا تتورع عن ابتداع الأساليب لقهر الشعب الفلسطيني وإهانته وقتله واعتقال الآلاف من أبنائه في ظروفٍ لا إنسانية، يدخل الجندي "عميت بن إيغال" مع كتيبته العسكرية للعبث بحياة الناس في البلدة الزراعية الوادعة وكعادتعم يحاول شبان البلدة رشق الجنود بالحجارة فقد ضاق ذرعهم بالاحتلال وهجماته المستمرة. ومن على أحد المنازل ألقيت صخرة باتجاه الجنود فأصابت ذاك الجندي برأسه ووجهه، هذا الجندي المقتحم لمساكن الناس ومناماتهم وحرمات بيوتهم يبكيه أبوه ويصرخ معددًا مناقبه ومتناولاً علاقاته وأحاديثه وتغريداته لأكثر من شهر، وحينما يعتقل من يشتبه به أنه ألقى تلك الصخرة يحتفل والدا الجندي والإعلام الإسرائيلي كأنما أُعيد للعالم توازنه أو كما قالت والدته إنّ ذلك إصلاحٌ عالمي، فهل العبث بحياة الناس وبيوتهم إصلاحٌ عالمي؟! وماذا عن قتل نوف انفيعات ابنة الرابعة عشرة من نفس البلدة وعلى يد جنود الكتيبة نفسها؟ وماذا نقول لوالدَي محمد تركمان ابن السابعة عشرة الذي قتلته أيادي نفس الجنود في ذات المكان؟ هذا الإصلاح العالمي المستحدث على أيدي الإعلام الإسرائيلي الذي يصور المجرم القاتل كحمامة سلام كان يعشق الحياة ويحب كل الناس ويحب الموسيقى والسفر بعد كل غارةٍ يقوم بها على السكان الآمنين في بيوتهم وترويعهم وإرهابهم. هل هذه المقاربة الجديدة هي وصفة العالم الحديث الذي يعاقب الضحية ويكرم القاتل لكيفية إصلاح العالم؟ وأين دورنا نحن من هذا السلوك الإعلامي الأحادي الجانب؟ لماذا لا يروي إعلامنا كل قصةٍ وكل قضيةٍ على حدة؟ فهناك آلاف الحكايا الإنسانية التي تدمي القلب والتي يجب إظهارها للعالم لنظهر حقيقة الوجع والجرح الفلسطيني الممتد لعقودٍ طويلة ولنأخذ العبر من أساليب أعدائنا وبلا تزوير أو قلب الحقائق وإنما فقط إظهار وإبراز تفاصيل تلك القصص والأحداث المتتالية حتى الآن فكلما طال الاحتلال تضاعفت الأحداث التي يمكننا الحديث عنها.