زعيمان صديقان، يشبهان بعضهما في الكثير من الخصال، تسكنهما النرجسية، ويعبدان كرسي الحكم حتى تجاوزوا أكثر زعماء العالم الثالث تخلفًا واستبدادا، وإغراقًا في الذاتوية، هما دونالد ترامب الرئيس الأميركي، وبنيامين نتنياهو رئيس حكومات إسرائيل الأربع المتواصلة منذ عام 2009، بالإضافة لحكومته الأولى 1996/1999.

سأترك نتنياهو وشأنه، وأتوقف أمام ساكن البيت الأبيض، وزعيم "الديمقراطية الأميركية"، التي تعتبر "حصن الديمقراطية" البرجوازية، و"المدافعة" عن "حقوق الإنسان"، والمؤمنة بالتداول السلمي للسلطة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. هذا النظام الديمقراطي تعرض لانتكاسات خطيرة منذ تولى تاجر العقارات ترامب الرئاسة مطلع عام 2017، لأن الرجل قوّض ركائز هامة في مبنى النظام، وهدد مستقبله، وشوه مكانة وموقع الرئيس بطريقة مبتذلة، وتافهة، حتى قزم الذات الأميركية المصابة بالغطرسة والعنجهية تجاه "الأنا" الأميركية و"الآخر" مطلق آخر من العالم. مع أنه يبدو في الظاهر، وكأنه يمثل "روح الأنفة" و"الاعتداد" الأميركية عندما رفع شعار "أميركا أولاً"، بيّد أن التجربة المرة للسنوات الأربع من حكمه، أظهرت أنه حرف الشعار فبات "أنا أولاً" على حساب "الأنا" الأميركية.

وهذه الأنا الترامبية المريضة بالنرجسية كشفت عن خواء ورخص وابتذال من الرجل تجاه زعماء العالم، فكان يقايضهم على دعمه لتحقيق بعض الإنجازات هنا وهناك لتعزيز رصيده في الانتخابات القادمة، وهذا ما فعله مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ومع الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون... إلخ، ولم يتنمر ويبتز سوى الحكام العرب، وأساء لهم في كل مقابلة ولقاء مع ناخبيه ليعوض نقطة النقص والرخص، التي عانى منها أمام زعماء العالم الآخرين، وحتى في علاقته مع دولة الاستعمار الإسرائيلية مارس دور التاجر الوضيع، كونه سمسارًا أنجليكانيا مزج بين البعد اللاهوتي والبعد الذاتي لخدمة "الأنا". وجميع المقايضات تتم على حساب مكانة الولايات المتحدة.

وهذا الاستنتاج الذي أكده تيموثي نفتالي، في مقالته، التي نشرها في "فورين أفيرز" بعنوان "ترامب يختطف السياسة الخارجية الأميركية أثناء محاكمته النيابية" ترجمة نادر الغول، وجاء بعد تبرئة مجلس الشيوخ الرئيس الجمهوري من حبل مشنقة العزل، فيقول: "بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من رئاسته، أهدر ترامب بالفعل معظم مصداقيته الدولية. دمرت أزمة الإقالة ما تبقى منها. تحت ضغوط سياسية متزايدة في الداخل، أثبت ترامب أنه سيد الصفقات الذاتية وأنه من الأسهل على القادة الأجانب التلاعب به مما كان عليه الحال من قبل. وفي نهاية المطاف، برأت الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ترامب بتكلفة كبيرة للسياسة الخارجية الأميركية وتوازن القوى الدستوري. من بين أزمات الإقالة الثلاث (نيكسون وكلينتون وترامب) في عصر القوى العظمى، كانت أزمة ترامب هي الأكثر ضررًا للولايات المتحدة وتحالفاتها، وما تبقى من النظام العالمي الليبرالي".

ولم يتوقف الأمر على العلاقات مع زعماء العالم وهدره مكانة أميركا، إنما عبث بالنظام وبالدستور والقضاء الأميركي، شوه كل معالم البناء الفوقي الأميركي، وكرس ووسع التناقض بين البنائين الفوقي والتحتي، ولم يأبه بشيء سوى البقاء على كرسي الحكم، وإنقاذ كل مناصريه من الفسدة والمرتشين، وشهود الزور لتبرئته حتى لو كان على حساب القانون. ومن الظواهر الخطيرة في الفساد، التي ارتكبها دونالد المعتوه، إصداره قرارا رئاسيا يوم الجمعة الماضي الموافق 10/7/2020 بتخفيف الحكم الصادر بحق مستشاره السابق، روجر ستون قبل أيام من تحويله للسجن لقضاء عقوبته، ومدتها 3 سنوات و4 اشهر، التي قضتها محكمة فيدرالية في الولايات المتحدة في شباط/ فبراير الماضي لكذبه على الكونغرس ومحاولته التأثير على الشهود لحماية الرئيس في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وجاء في بيان البيت الأبيض أن "روجر ستون عانى بشكل كبير، لقد تمت معاملته بشكل غير منصف، مثل كثيرين غيره في هذه القضية. روجر ستون رجل حر الآن". لكن الأمر هو إنقاذ من كذب على الكونغرس والقضاء ودافع عن رئيسه الفاسد.

وتعقيبًا على ذلك، قال السيناتور ميت روميني، وهو مرشح رئاسة جمهوري سابق عام  2012 على "تويتر": "ما حصل فساد تاريخي غير مسبوق، رئيس أميركي يخفف عقوبة بالسجن على شخص أدانته هيئة محلفين بالكذب لحماية هذا الرئيس", أمر غير مقبول، ومدان. وحدث ولا حرج عن موقف الديمقراطيين، الذين اعتبروا قرار الرئيس ترامب "فضيحة". وقالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب "إن قراره تخفيف عقوبة مستشار حملته روجر ستون (...) فساد مثير للذهول", وأضافت في بيان، أن "الكونغرس سيتخذ تدابير لمنع هذا النوع من المخالفات الوقحة". وعمق الموقف النائب آدم شيف، الذي قاد حملة العزل للرئيس بالقول "بوجود ترامب أصبح هناك نظامان قضائيان في أميركا: واحد لأصدقاء ترامب المجرمين، وواحد لأي شخص آخر".

من خلال المتابعة لمواقف الرئيس صاحب الشعر الأصفر المسكون بالتناقضات، يلاحظ أن أميركا لم تعد أميركا. وهناك أميركا جديدة، لأن ترامب الذي أقال منذ توليه الحكم أكثر من 160 مسؤولاً نتيجة حساباته الذاتية، وبسبب هواجسه وانفعالاته المرضية، وتعريضه القضاء والنظام للخطر، وتعميده العنصرية،  وعدم تمكنه من مواجهة تحدي الكورونا، وفشله في السياسة الخارجية بشكل تام، ودخوله في حروب بينية مع كل حلفاء أميركا باستثناء دولة إسرائيل المارقة، كل ذلك أدى لتراجع مكانة الولايات المتحدة والسبب فساد ترامب غير المسبوق.