في غضون أيام قليلة تضاعفت أعداد الإصابات والحالات الخطرة أضعافًا مضاعفة عما واجهناه خلال أسابيع وأشهر من جائحة "كورونا"، أرقام تجاوزت مرحلة الإنذار بالخطر الداهم علينا كمؤسسات وأسر وأفراد، أرقام تنذر بانفلات كبير لموجة تفشٍ تحرق كل الإنجازات التي افتخرنا بها في بداية الأزمة، والسبب في ذلك يرتبط بموضوع المسؤولية الفردية وموقفنا كمواطنين من موضوع التمسك الحازم بإجراءات الوقاية اللازمة وفق البروتوكولات الصحية، وبين الذهاب للاستهتار والتهاون والاستخفاف بالإجراءات بحد ذاتها أو التقليل من خطورة الفيروس.

منذ أيام قليلة ونحن نضع أيدينا على قلوبنا  بسبب ارتفاع معدلات الإصابة وعدد الحالات اليومية المؤكدة، فبعد سيطرة وإجراءات كانت مميزة لمواجهة تفشي الوباء، أصبحنا من أسرع معدلات الإصابة مقارنة بغيرنا من الدول ومقارنة بأوضاعنا التي كانت حتى نهاية شهر أيار الماضي، هذه المعدلات اليومية المرتفعة مقارنة بعدد السكان، تتطلب وقفة جادة من كافة المواطنين والأسر والمؤسسات، لأن التراخي والاستهتار يأخذانا إلى مرحلة سيطرة الإصابات علينا بدل أن نسيطر عليها، مرحلة لا تبقى منطقة آمنة دون غيرها، لأن التفشي سيجد طرقًا سهلة ومفتوحة للمرور الآمن من فرد الى آخر، ومن أسرة الى غيرها، ومن محافظة الى غيرها، بوابة لجهنم وبائية بكل ما في الكلمة من معنى، تتصاعد نيرانها بقوة الفيروس المتجدد بين المصابين، ويغذيه الاستهتار والإهمال والتهاون من قبل البعض تحت أسباب ومبررات لا تؤدي إلا إلى هلاكنا جميعًا وفي وقت قصير.

التعامل مع مرحلة تخفيف إجراءات الحجر وتخفيف القيود عن التنقل وفتح فرص العمل للمنشآت الاقتصادية، تعني إدارة شؤون حياتنا على قاعدة الالتزام ومواصلة اليقظة والحذر، لأن المعركة لم تنته بعد، وتخفيف الإجراءات يعني مساعدة المواطنين والمؤسسات على الصمود الاقتصادي والاجتماعي من خلال بروتوكول صحي معتمد، أعلنت عنه الجهات الرسمية وقاد عملية التأكيد عليه سيادة الرئيس شخصيًّا حينما تجول في مدينة رام الله مؤكدًا على رسالته للمواطنين بضرورة التقيد بتعليمات السلامة والوقاية في بداية الإعلان عن التخفيف من الإجراءات مباشرة، لأن المرحلة لا تسمح بفقدان السيطرة على إدارة معركتنا ضد هذا الوباء، وسياستنا الرسمية ارتكزت على عنصر حياة المواطن باعتبارها جوهر وغاية كافة السياسات والإجراءات، ولذلك تم الدفع بكامل الطاقات والموارد والمؤسسات والأجهزة المعنية لترجمة ذلك على أرض الواقع، واتخاذ كافة الخطوات الجدية لضمان الالتزام بإجراءات الوقاية والحذر والتطبيق المسؤول لكافة التعليمات.

يقال: "الجاهل عدو نفسه"، وفي ظل جائحة "كورونا" المستهتر عدو نفسه ووطنه وشعبه، فهو بمثابة نقطة الضعف أو الخاصرة الرخوة في الجسد الفلسطيني الذي يقاتل "كورونا" وأخواتها من أزمات وتحديات وصفقات وتهديدات تجمعت في صيف حزيران، الاستهتار في هذه المرحلة وهذه الظروف يعني فتح بوابة لعدو سيفتك بأرواح العديد من أبناء شعبنا في المقام الأول، ليس لهم ذنب في كل ذلك، إلا أن عنجهية المستهتر أو المتهاون قد كلفتهما إصابة بفيروس قد لا تحمد عقباها، وفي الوقت نفسه إعادة فتح الطريق لتفشي الوباء من خلال هذا التهاون، لها ثمن وطني كبير في هذه الأيام، وإلى جانب الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن الإصابات والوفيات، فإن تفشي وطغيان الإصابات بأرقامها الجديدة يخلق حالة إشغال جديدة للقيادة والحكومة والقوى الوطنية المنشغلة بكل طاقاتها لمواجهة خطط الضم والتهويد التي تعمل سلطات الاحتلال على تنفيذها، لذلك الاستهتار يعادل الخيانة الوطنية في هذه الظروف.

دعوة تطلقها كافة الجهات المعنية على المستوى الرسمي والصحي والمجتمعي، لكافة أبناء شعبنا بالعودة الصارمة لمتطلبات الوقاية، واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية، ومحاربة كافة مظاهر الانفلات منها، سواء بالاستهتار أو التهاون، أو التقليل من مخاطر الفيروس، أو الترويج لفكرة الاستسلام واليأس من الصمود الصحي، دعوة هدفها حمايتنا جميعًا لأننا شركاء في مواجهة الوباء وشركاء في حماية أرواح أبناء شعبنا من (كوفيد– 19) وغيرها من التهديدات، دعوة لإعادة الاعتبار للصورة الحضارية للشعب الفلسطيني كونه نموذجًا للالتزام والمسؤولية والتنظيم، لأن الانتصار على هذا الوباء يتطلب حشد وتلاحم كافة الطاقات، والمؤسسات المعنية تقوم بدورها، والمواطنون يبذلون كافة جهودهم لتمر هذه الأزمة ونحن على قيد الحياة.