منظر أم جبر وشاح على سرير في المشفى، مصابة وموجوعة، أدمى قلبي كما قلب كل فلسطيني، يا للعار، إصابتها ليست إسرائيلية المنشأ، بل حمساوية، وما الحجة؟ أو التهمة؟ دفاعها عن  بيتها في المخيم في شارع ضيق، معظم بيوته مخالفة بسبب الازدحام والاضطرار، وضرورة تأمين مكان للعائلة.

والمذهل نفي شرطة حماس الاعتداء اذ ورد في بيانها: "إن الشرطة "تستنكر ما نُشر حول اعتداء مُدّعى على الحاجة المناضلة أم جبر وشاح بمخيم البريج وسط قطاع غزة، وتوقيف إبنها المناضل جبر وشاح"، وتنفي ذلك جملة وتفصيلاً.

تنفي جملة وتفصيلاً دون خجل بينما توثِق الصور والفيديوهات المنشورة وشهادات أبناء المخيم  وقوع هذا الاعتداء الوحشي غير الأخلاقي الذي سيجللهم بالعار الأبدي.

سيرة أم جبر وشاح وثّقها فيلم "أم الأسرى، حارسة الحلم الفلسطيني"، تروي فيه رحلة العذاب من قريتها بيت عفّا الى المخيم وبجبروت المرأة الفلسطينية الصابرة والقادرة تروي كيف فقدت إبنها الأول إبراهيم أثناء الرحلة، وإبنها الثاني إبراهيم بعده بفترة وجيزة، وتسمية إبنها اللاحق جبر، لكي يجبر الله خاطرها عن الفقدان الموجع.

اعتقل جبر وقضى 17 عاما في السجن.. تروي ما قالته للحاكم العسكري يوم نطق بالحكم على جبر بالسجن المؤبد: يا خنزير ظلمت إبني ولكن اسمع:

يا فلسطين افرحي في شبابك

يا رصاصنا في قلوب الأعادي فتح شبابك.

منذ ذلك اليوم، بدأت رحلتها النضالية، زيارة جبر لأول مرة لتتعرف على سمير القنطار، الفدائي اللبناني فتقول له منذ اليوم أنت رقم 1 وجبر رقم 2، ولتتوسع دائرة تبنيها للأسرى العرب الذين لا أهل لهم يزورونهم ووصل عددهم إلى حوالي أربعين أسيرا، تزورهم بانتظام وتتابعهم من سجن إلى سجن وتحضر محاكماتهم وتشد من أزرهم، وتستعين ببنات غزة في عملية منظمة، لتتمكن من القيام بمسؤوليتها كأم تجاههم جميعهم، ويوم تحرّر ابنها من الأسر في عملية تبادل وقبل أن تحضنه سألته عن سمير القنطار وبقية الأسرى.

ظلّت وفية لأمومتها، الى درجة تنظيم اضراب عن الطعام امام الصليب الأحمر في موازاة إضراب الأسرى في سجون الاحتلال استمر 21 يومًا.

أم جبر وشاح، تهان اليوم رغم تاريخها وتاريخ عائلتها النضالي، على ايد عربية اسلامية، الأصل فيها الطهارة، ولكن من يراجع تاريخ "الحسم العسكري" وعمليات القتل وسحل المناضلين في الشوارع وتقطيع الأيدي والأرجل والقاء الناس من على السطوح، لا يستغرب ذلك.

اليوم في حماس ألا توجد أصوات عاقلة، وفي ظل هذا الوضع الصعب لقضيتنا، ألا تستطيع عقلنة أداء عناصرها، والدفع تجاه ممارسات تقود الى المصالحة السياسية والاجتماعية؟؟

لأم جبر وشاح، ذات الثمانين عامًا وربما أكثر، نموذج المرأة الفلسطينية الصلبة والقادرة- باقات ورد فلسطينية تحمل الأمل بالخلاص.

فتحي البس