يحقّ لملك إسرائيل أن يفخر وينفشَ ريشه مثل الطّاووس فالعلاقة مع الرّجعيّة العربيّة انتقلت في عهده "من مرحلة الزّنا السّرّيّ الى مرحلة الزّنا العلني" كما كتب إميل حبيبي في إحدى أسبوعيّاته في الثّمانينات من القرن الماضي، فالزّيارات السّرّيّة المتبادلة بين قادة إسرائيل وبين قادة دول الفقر القوميّ العربيّ صارت اليوم "سرّك مرّك" وطائرات النّجمة السّداسيّة تهبط وتقلع في مطارات عواصم تلك الدول وتحلّق في فضاء أولاد العمومة.

ويحقّ لقيصر إسرائيل أن يسأل وزراءه من هامان إلى أوحانا عن الإله الذي منحه هذا السّحر وهذا الدّهاء وهذه القوّة، ولن ينتظر جواباً، لأنّه يدرك بأنّه السّائل والمجيب وأنّه المانح والممنوح ويعي أنّ القطيع يرعى في خضراء الدّمن.

ما أشبه اليوم بالبارحة التي حدثت قبل سبعة عقود مرّت مثل رمشة عين في التّاريخ ومثل جبل الجرمق على أكتافنا.

أميركا والصّهيونيّة هما هما، لا راح عنهما شرّ، وأمّا الشّعب الفلسطينيّ فيملك اليوم تجارب غنيّة وخبرات واسعة ووعياً كبيراً، وعلى صخرة حطّين تلاشت أحلام الطّامعين منذ فجر التّاريخ.

كتب كارل ماركس قبل قرن ونصف القرن "التّاريخ يعيد نفسه مرّتين: مرّة كمأساة ومرّة كملهاة"!

وجاء في التّاريخ أيضاً: في أواخر الخمسينات من القرن الماضي كانت الدّولة العظمى فرنسا تحتلّ الجزائر ولا تعترف بأنّها تحتلّها بل ترى فيها جزءاً أساساً من الوطن الأم فرنسا (قارنوا!) وكان يستوطن مليونًا فرنسيّ في الجزائر ولهم فيها مزارع ومعامل ومصانع وكروم، وكان من هؤلاء المستوطنين أدباء كبار مثل البير كامو وسياسيّون من غلاة اليمين (قارنوا!).

وكان الشّعب الجزائريّ يقدّم الشّهداء شهيداً وراء شهيد، وشهيدةً إثر شهيدة، على مذبح الحرّيّة، فيما كان الإعلام الفرنسيّ يسمّي هؤلاء الشّهداء إرهابيّين (قارنوا)، وكانت حكومة باريس تختطف الثّوار وتزجّهم في سجونها (قارنوا!) وكان الشّعب الفرنسيّ غارقاً في ملذّات الحياة، يشرب النّبيذ ويزور الملاهي والمقاهي والخمّارات (قارنوا).

كتب الفيلسوف والأديب الفرنسيّ العالميّ جان بول سارتر في تلك الفترة يصف العمى الذي أصاب الشّعب الفرنسيّ عن مسؤوليّته لما يجري في الجزائر: "الحقيقة أنّنا مرضى. مرضى جدّاً" وصرخ: أيّها الفرنسيّون افتحوا عيونكم وشاهدوا عارنا في الجزائر!!

كان في باريس يومئذ عمى، واليوم في تل أبيب عمى.

بعد صرخة جان بول سارتر ظهر الزّعيم الفرنسيّ الجنرال شارل ديغول فقرّر الانسحاب من الجزائر.

هل يعيد التّاريخ نفسه يا كارل ماركس؟

ما أشبه اليوم بالبارحة!