اعتاد الفلسطينيون أن يكونوا في مهب الريح الصهيونية العابثة بأرواحهم وأرزاقهم والقاضمة لأراضيهم.. يستكمل المشروع الاستعماري وتتفشى جوائح نتنياهو ويأخذ عدادها في التصاعد في ظل شبح المحاكمة الذي يلازمه، يسابق الزمن ويشغل الإسرائيليين كما الفلسطينيين بمشاريع دولته اليهودية لعله يخرج فاتحًا أخيرًا ويحرر كامل فلسطين من أهلها!

 

هو الذي عومه ترامب بالوعود الوهمية وأراد أن يسقيه مياه فلسطين شربة واحدة، وعلى مدى ثلاث جولات انتخابية لم تفض إلى تشكيل حكومة في إسرائيل يتزعمها وحده كان نتنياهو يتبع نهجين متلازمين أولهما التصعيد في الجرائم بحق الفلسطينيين، وثانيهما المناورات على العالم كما شعبه بكم من الحفلات الدعائية التي أهداه فيها ترامب مجموعة عقارات لم تجنبه السقوط السياسي بتقاسم السلطة مع غانتس ولا شبح جرائمه في الفساد.

 

نكبة جديدة يريد أن يفرضها نتنياهو على الفلسطينيين بمعزل عن الموقف الدولي الرافض والمحذر، فتتكرر أدوات الجريمة في عام 1948، وما تبعها وتزداد حدة الهجمات على الفلسطينيين فتهدم منازلهم ويقتلون في أنحاء القدس والضفة الغربية بدماء باردة وحجج واهية، ودون حسيب أو رقيب على جرائم إرهاب تستوجب محاكمة قادة الاحتلال وعلى رأسهم نتنياهو، وليس آخرها استشهاد الشاب الفلسطيني إياد خيري (32 عامًا) من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي قتلته قوات الاحتلال بينما هو ذاهب إلى مدرسته القريبة من باب الأسباط في القدس المحتلة بحجة عدم امتثاله للأوامر، وأيضًا استشهاد الشاب فادي قعد (37 عامًا) وهو أب لخمسة أولاد بعد أن أطلق جنود الاحتلال النار بكثافة باتجاه مركبته في منطقة وادي ريّا قرب قرية النبي صالح وتركوه ينزف وحيدًا.

 

 هدم المنازل الممنهج ليس إلا وسيلة من وسائل تشريد الشعب الفلسطيني لا ينتهي مع إجبار الشقيقين عماد وأحمد مشاهرة على هدم منزليهما ذاتيًا في جبل المكبر بمدينة القدس المحتلة وترك 11 فردًا من العائلة في العراء.

 

هي الجريمة التي تؤمن إسرائيل أنه دونها لا يمكن لها البقاء على أراضي الفلسطينيين، فتمارس وحشيتها ضدهم ما يترك الأبواب مشرعة على صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية وضرورة مباشرتها بإجراء التحقيقات اللازمة، ومحاكمة مجرمي الحرب والإرهاب وليس قادة وجنود الاحتلال إلا نموذجًا على قائمة منتهكي القوانين الدولية والإنسانية التي تنظمها وترعاها منظمات المجتمع الدولي الحقوقية، إذ إن استسهال هؤلاء ارتكاب الجرائم مرده غياب دولة القانون في كيانهم المبني على "التمييز العنصري" وقاعدة "اقتل كي تبقى موجودًا".

 

هي صورة الشاب الأميركي الذي قتلته غرائز العنصرية منذ أيام (على يد الشرطة الأميركية) بدم بارد وقد أثارت سخط العالم ليست إلا مثالاً على ما يجري منذ 72 عامًا في الساحة الفلسطينية وتحاول سلطات الاحتلال تلفيقه والتعتيم عليه.

 

على خط موازٍ لترامب الذي يتنصل من المؤسسات والاتفاقيات الدولية تدريجيًا بحجة أنها لا تخدم مصالح بلاده، وهو الذي يتخبط بأزمات الداخل قبل الخارج يمضي نتنياهو قدمًا في تفلته من المجتمع الدولي وقواعده فيصر على الموعد الذي حدده ائتلافه الحكومي للبدء بإجراءات بسط السيادة في شهر تموز/يوليو المقبل، في وقت بدت الإدارة الأميركية متريثة في خطوات الضم قبل حصول توافق فلسطيني إسرائيلي فيما اعتبر الاتحاد الأوروبي القرار مخالفًا للقانون الدولي، ونبهت دول عديدة منه لا سيما الأردن المحاذية والمرتبطة جغرافيًا وتاريخيًا بفلسطين وشعبها، إذ حذر ملكها عبد الله بن الحسين إسرائيل من صدام كبير مع بلاده.

 

يتخبط نتنياهو في قرارات الضم أكثر وأكثر وهو ما بين الرفض الفلسطيني المطلق وما يترتب عليه، وتحذيرات الداخل الإسرائيلي وخارجه، يجهل عواقب خطواته الحماسية والمتطرفة المرجح أن يكون ودولته أول المتشظين منها.

 

 يتعثر الفاتح، فيستسهل الجريمة.. فكم روحًا فلسطينية سوف يزهق نتنياهو مع مطلع كل فجر ومغيب شمس حتى يستفيق هذا العالم على ضرورة إحقاق العدالة بحق أخطر مجرميه وسفاحيه؟