هناك تفاعل شعبي فلسطيني خاص وواسع مع ذكرى نكبة عام 1948. وتمثل النكبة الحلقة الجامعة الأهم في ذاكرة شعبنا الفلسطيني، فهي التحول الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية، فكل ما بعدها في معظمه حياة مريرة، وذكريات أليمة، لأن فقدان الوطن، يعني اليتم والضياع وعدم اليقين وغياب الشعور بالاستقرار، بالإضافة لحالة البحث المستمر عن الرابط بين الإنسان والمكان، وبناء مشهد افتراضي للوطن في الذاكرة .

في السنوات والعقود التي سبقت عالم الإنترنت، كان الشعب الفلسطيني يحيي ذكرى النكبة بالمسيرات والمظاهرات ومعارض الصور التي تخلد المكان، ومعارض الرسم للوطن المتخيل، وكانت  الندوات والمهرجانات الشعبية. ما بعد الإنترنت  والعالم الرقمي والافتراضي طغت على الذكرى تبادل الفيديوهات والصور والنصوص المكتوبة، مع استمرار المسيرات. هذا العام في ظل جائحة الكورونا غابت المسيرات وسيطر تبادل الذكريات والمعلومات عبر الإنترنت. وبغض النظر فقد كان المشهد أليمًا، وفي نفس الوقت مفرحًا من زاوية زخم التبادل.

النكبة ليست حدثًا حصل في يوم أو عدة أيام أو أسابيع، إنه مسار تاريخي كارثي ومؤلم، بدأ يصيب شعبنا ووطنه فلسطين مع إعلان وعد بلفور عام 1917 وتنفيذ  بريطانيا للوعد فوق وطن الفلسطينيين. مسار جرى خلاله انتزاع الأرض والاستيلاء عليها بشتى السبل، مسار واجهه شعبنا بالمقاومة وما تعنيه من تضحيات بالأرواح والممتلكات، فكل مقاومة لها ثمن باهظ من الدماء. تم تتويج هذا المسار بقرار تقسيم فلسطين، وما تبعه من سياسة التطهير العرقي، وما تخللها من مذابح ومسح مئات القرى والبلدات عن وجه الأرض.

النكبة تتويج بشع لمرحلة بشعة انتهت بتشريد 950 ألف فلسطيني تحولوا إلى لاجئين، هم اليوم سبعة ملايين. مرحلة بشعة توجت بِمنع الشعب الفلسطيني من إقامة دولة خاصة به على ما تبقى من فلسطين التاريخية، ولا يزال ممنوعًا. مرحلة فيها رائحة الخيانة والتواطؤ، وجد الشعب الفلسطيني نفسه وحيدًا في مواجهة مصيره.

وبعد النكبة بدأت مرحلة أكثر صعوبة تعرض فيها الشعب الفلسطينى لمخطط استهدف طمس هويته وذاكرته الوطنية، فلكي ينجح المشروع الصهيوني ويحقق كل أهدافه، يجب إلغاء وجود الفلسطينيين كشعب، وليس فقط شطب فلسطين عن الخارطة.

النكبة ليست يومًا ويمضي، نتبادل فيه الصور والذكريات، النكبة هي الماضي  والحاضر، هي كارثة نعيش معها كل يوم، النكبة كما هي تطغى على تاريخنا وحياتنا، فعلينا أن نحولها إلى فعل يحافظ على ذاكرة المكان، والذاكرة الجماعية، التي تصنع الشعب، فعلّ يحافظ على الهوية الوطنية، ويمنع المس بها أو تشويهها، أو تغليب أيّة هوية أخرى عليها أيّا كانت. النكبة كذاكرة حية، وسرد واقعي ، تصنع الإنسان الفلسطيني القوي الصلب، الإنسان المعرفي صاحب العقل الحر، لأن هذا الإنسان وحده من سيحدث الفارق في تاريخ  النكبة حتى ينهي فصولها المظلمة