لا أنكر أن دولة إسرائيل ديمقراطية بل هي واحة الديمقراطية في هذا الشرق الذي لا يعرف أهله حرف الدال منها. مجنون يحكي وعاقل يصغي. يسأل البعض: هل تتعايش الديمقراطية مع الاحتلال وينسى أن "فرفور ذنبه مغفور!". وأنا إنسان يعرف حدوده وعلى قدر فراشي أمد رجلي. إسرائيل دولة ديمقراطية لليهود فقط وأما نحن المواطنين العرب الفلسطينيين "فنتمتع" بفتات المائدة. وهناك من يستكثر هذا الفتات علينا ويطالب بحرماننا من حق الانتخاب تمهيدا لتطفيشنا شرقا. وقد يبدو غريبًا للوهلة الأولى إذا ما قلت بأننا أول المدافعين عن الديمقراطية في الدولة بل أحرص فئة عليها كي نحافظ على إنجازاتنا وعلى الهواء الذي نتنفسه.

حين فاز نتنياهو في العام 1996 بالانتخابات المباشرة لرئاسة الحكومة (بفضل امتناع الناخبين العرب) كتبت مقالاً عنوانه "انتصار الخوف" لأن رأس الهرم اعتمد في حملته الانتخابية على "التخويف" وعلى "اللاصدق" (بلغة مهذبة). واللاصدق ليس عيبا أو عارا في السياسة الإسرائيلية، تمامًا مثل الوقاحة، وقد اعترف الرئيس يتسحاك شمير: "أنا أكذب من أجل دولة إسرائيل".

وبز نتنياهو السابقين والحاضرين من ساسة إسرائيل باللاصدق حتى صار صفة ملازمة له فقالوا "لا تستطيع أن تشتري منه سيارة مستعملة". هذا ما يقوله الإعلام الإسرائيلي على أنواعه وهو إعلام حر. فمن أنا المواطن العربي من الدرجة الثالثة قانونيًا (قانون القومية) حتى أتطاول على ملك إسرائيل الذي لا منافس له ولا بديل له، والويل ثم الويل لمن يعارضه أو يرفع رأسه أمامه حتى لو كان حيروتيا قحا وإبن عضو بارز في الإيتسيل وتربى على كتابات جابوتنسكي. هل تذكرون ما جرى لدافيد ليفي ومريدور ولفنات وشالوم وكتساف وبيغن الإبن والقائمة طويلة.

أنا أعيد فقط ما قاله رفاق نتنياهو عنه وأهز ياقة قميصي.

قال نتنياهو إن عدد نواب الكنيست 105 نواب فقط فصدقوه، وقال أيضًا إن هناك 15 نائبا يؤيدون الإرهاب فصدقوه، وأما أنا فأشك في كل جملة يقولها حتى لو قال في هذه الأيام إن بحيرة طبريا امتلأت بمياه الأمطار.

قبل فترة قصيرة وفي زمن الكورونا قرأت أن الرجل قال في لحظة تجل "إسرائيل ليست دولة ديمقراطية لأن الدولة العميقة هي التي تحكمها".

هل أشك في كلامه أم أصدقه على بيضة الديك هذه التي تعني ما يلي:

• الدولة العميقة هي التي منحته الفوز على شمعون بيرس كي يباشر باغتيال مسيرة السلام.

• الدولة العميقة هي التي أنجبت باراك ليخترع عبارة "لا يوجد شريك فلسطيني" التي تبناها اليمين والمركز ولن أقول اليسار لأن اليسار في خبر كان.

• الدولة العميقة هي التي ساعدت شارون على الانسحاب الأحادي.

• الدولة العميقة هي التي أطاحت بايهود أولمرت عندما تجاوز الخطوط الحمراء في مفاوضاته مع أبو مازن.

فهل الدولة العميقة هي التي أرغمت غانتس على تأييد نتنياهو؟

لم تشفع الكورونا لغانتس ولم يدخل الحجر المنزلي إلا أنه دخل جحر نتنياهو الذي سيلاعبه "لفتك ما لفتك...طعميتك...!!"

وبما أنني مواطن عربي وطابور خامس ومتهم بالإرهاب حتى تثبت براءتي يحق لي أن أهتف: يا يما..عاشت الدولة العميقة!!