ثبت لنا الآن وجود نوعين من الفيروسات الوبائية، الأولى قاتلة لا دين لها ولا تعترف بالأعراق والأجناس، وأتباع الديانات، فيروسات تفتك بِخلايا جسد الإنسان، تحديدًا ضعيفة المناعة، فتدمرها تدميرًا بسرعة فائقة، أما الفيروسات الوبائية الأخرى فهي تعمل على تدمير ضعاف المناعة العلمية العقلية والفكرية والثقافية والروحية، وتتقصد خلايا هذا الفيروس افتكاك الإنسان عن عالمه الإنساني، وأسره، وأخذه بعيدًا في عمق الزمان والمكان أيضًا، في الوقت نفسه الذي تعمل فيه خلايا هذا الوباء على مسح دماغ وقلب إبن آدم وإفراغهما من المشاعر، العواطف الأحاسيس، الرحمة، الإخاء، والتعقل، التفكير، التأمل، الإبداع، فتصير قيمة دماغ الإنسان ذكرًا كان أم أنثى كقيمة معدن شريحة رقمية فارغة مهما كانت سعتها الافتراضية.

الفيروس البشري هذا لا يقر ولا يعترف بِأتباع الديانات ويتشارك بهذه الصفة مع فيروس الكورونا مثلاً، إلا من كان منتوجًا موثوقًا من معامله ومختبراته، فوحدها جماعة هذا الفيروس تمنح شهادات الولاء والتبعية، ويعتبر تابعًا لدين جماعة الفيروس من كان عضوا فاعلاً في خلاياها ذات السمية العالية الفتاكة، ولديه الاستعداد لسفك دماء أبناء آدم بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم وجنسياتهم فور إصدار الأمر له، فيثبت هذا الفيروس البشري عند كل جريمة مناعته وقدرته على استشعار المضادات الحيوية الأخلاقية الإنسانية فيعمل على تدميرها حتى قبل أن يمسها أو قبل أيّة محاولة من عاقل وحريص على آدميته لإنقاذه من الهبوط إلى أسفل السافلين.

الفيروس البشري نتاج الجهل وبعضه نتاج المسميات العلمية المخادعة، وهذه أشد أنواع الفيروسات المرئية والمجهرية، والأفظع أنه يتمتع بقدرات مخادعة عالية، تمكنه من الاختراق إلى حيث يريد، والوصول إلى مواقع متقدمة في أدمغة شرائح مستهدفة من ضعاف المناعة بيسر وسهولة، هذا ما يفعله فيروس كورونا (كوفيد 19) الذي ثبت أنه يخادع خلايا الجسم متموها بمادة تلتبس الخلايا المضادة في التعرف عليها، فيخترقها ثم يبدأ بعملية التكاثر والفتك بمركز التنفس لدى الإنسان، مع فارق بسيط أن الفيروس البشري الفارغ من مضمونه ومنطقه المادي والأخلاقي يعمل على الفتك بعقيدة وثقافة وسلوك وأخلاقيات إبن آدم ويسلخه من الإنسانية تمامًا، فيصير إذا رأى جرحًا ينقض كالضواري بشهوته الجامحة نحو الدماء ليفترس، وتراه يفاخر ويجهر بالشماتة ممن أصابتهم مصيبة أو حل بهم بلاء، أو حتى إذا مسهم قدر الله وقضاؤه، ولعمرنا فإن أمة الضواري والكواسر والمفترسات بتنا نرى بعضها في وثائق عالم الحيوان بسلوكيات غير التي نعرف عن طباعها.

أسقط (وباء الكورونا) الأقنعة، وكشف وجوه هؤلاء، وتبينت أمة الإنسان خطر الوباء البشري الكامن في ثناياها، ودرجات سميته وتأثيراته المباشرة على رقيها وسموها وصحتها وأمنها وسلامتها، وانكشف الذين يعملون على تدمير أركان العلوم، لإدامة سيطرتهم وسلطانهم على الناس، فالجهل هو رأسمالهم، وسلاحهم، الذي يشغلونه بقوة وبأعلى درجاته في زمن انتشار وتفشي الأوبئة القاتلة، حتى أنهم لا يتورعون عن تسميتها واعتبارها (جند الله).. ولا يفعلون هذا إلا تمويها على أحقادهم وكراهيتهم وعدائهم المتأصل للإنسانية.