الفلسطيني بفطرته مقاوم للموت والفناء، يكسر قوانين الظلم، تنبت إرادته على  شكل شجرة زيتون يضيء زيتها ولو لم تمسسه نار، أو شجرة لوز، أو سنديانة، ولا يرضى أن تكون هامته أقل من علو نخلة مريم العذراء. يحرس أرضه بعَلَم وغصن زيتون، سلاحه الإيمان.

 الفلسطيني دمث خلوق يعطي أرضه عمره، يعشقها، معطاء بلا حدود، يكرس حياته لأرضه  يحميها فتعشقه، فيصير ما بينه وبينها مودة ورحمة.

 أنكر المحتلون المستعمرون المستوطنون أعداء الانسانية على الفلسطيني حقه في الحياة والحرية، انتهجوا اللصوصية وسفك الدماء حتى بلغوا ذروة الجريمة والعنصرية وهم يعلمون أن ما يفعلونه سيودي بهم للضياع متاهة التاريخ، لكن رغم استكبارهم واستقوائهم بالحديد والنار لم يفلحوا في فك شيفرة العلاقة الأبدية بين الفلسطيني وأرضه، فلو ادركوا للحظة أن إبن هذه الأرض يستمد سبب حياته من تربتها، وأن دماءه من عطر زعترها وميرميتها لربما تعقلوا وانحازوا إلى مجمع الضمائر الانسانية، لكن أنى للطغاة الغزاة بصيرة، فلو امتلكوها لأدركوا  أنهم أعجز عن قرصنة روح أرضنا المقدسة.

لا قيمة لإنسان دون أرض وطن، ولا قيمة لأرض دون إنسانها النابت من تربتها وعظامه من صخورها حتى لو كانت جبالها ذهبا، فالإنسان دون أرض وطن فاقد الكرامة والعزة حتى لو تربع على عرش من ذهب.

لا تحتاج علاقة الإنسان بأرض وطنه إلى نظريات أو بحوث أو دراسات، ولن يتمكن باحث في هذا العالم على تحديد ماهيتها إلا عندما يتمكن عقل الانسان من الاحاطة بسر الروح  وعندما يعرف العلماء أن الأمي لا يحتاج الى كلام سياسي أو فلسفة  أو قوانين ليتمسك بأرضه كتمسكه بروحه، فما بين الأرض ووليدها، إنسانها الذي  يزرعها ليأكل، يعمرها ليسكن، يستثمرها  ليضمن استمرار ووجود سلالته لا تخط في المجلدات والكتب وإنما بعرق ودماء إنسانية على عروق الأرض وصفحاتها.

منح الفلسطيني أرض وطنه هويته، ومنحته أرض فلسطين هويتها وقدسيتها، فصار صلبا  كصخورها، عاليا كجبالها، مشعًا كشمسها، ومعطاءً كربيعها، رقيقًا كجداولها وينابيعها، حاميا لكينونته كشوك الصبار الحلو الطيب.

يعتقد الفلسطيني بأن فلسطين جنته الأبدية، فيها السلام وخير بلا حدود، وأن الخلود فيها يعني الإيمان بأن عليها الحياة الأولى والآخرة.

الفلسطيني يعشق الحياة حتى لا تجف أرض فلسطين وتموت، ويعلم أن موتا بطيئا بانتظاره إن هو أنفك عنها ولو بالحلم، فالروح لا تنسلخ، وكذلك الأرض لا تحتمل انسلاخ إنسانها، ولا يحتمل الإنسان الممجد الذي أعطى الأرض عمره أن يسلخه محتل او غاز أو مستعمر عنها.

ويحتفل الفلسطينيون بيوم الأرض، وكأنهم يرتلون آيات وأسفارًا في الحب الخالد لأرضهم، لاعتقادهم أن هذا الحب يمنحهم الرحمة والسلام من السماء، وتمنحهم العزة والقوة ليصبح كل فلسطيني على الأرض جبلاً بفوهة بركان ثائر إذا ما فكر الغزاة من قرصنته.

يشبه يوم الأرض الفلسطيني، استقرار سفينة نوح على الجودي، وبدء العد العكسي لانحسار الطوفان، وعودة الحمامة بغصن الزيتون الأخضر، فالأرض ستعود إلى أهلها الذين كانوا على يقين أنها ستعود إليهم ويعودون اليها، تمامًا كالفلسطينيين، لم يستسلموا لطوفان الطغيان، ولم تنكسر سفينتهم.. يا إلهي فقد صنعوها من خشب من شجر وهبتهم إياه الارض، وحملوا فيها كل أسباب الحياة لغد طويل بلا أجل، ثم برزت لهم الأرض تبشر بالسلام.