قال السفير التونسي لدى دولة فلسطين الحبيب بن فرح إن تونس جعلت من مناصرة القضية الفلسطينية باستمرار جوهر اهتماماتها، أحد أهم ثوابت سياستها الخارجية.

وأكد بن فرح، اليوم الخميس، في حديث خاص لـ"وفا" لمناسبة الذكرى الـ64 لاستقلال تونس التي تصادف يوم غد الجمعة 20 من آذار، أن إقامة الأمن وصنع السلام في العالم عامة وفي الشرق الأوسط تحديدا ينطلق من حل القضية الفلسطينية باعتبارها بوابة الأمن ومفتاح السلام في المنطقة والعالم وأُمّ القضايا العربية، وتمكين الشعب الفلسطيني الشقيق من حقّه الخالص كسائر شعوب الأرض في تقرير مصيره على أرضه المحتلة سنة 1967 وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ولفت إلى أن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد أعرب في أكثر من مناسبة عن كامل التزامه والتزام تونس وشعبها بالقضية الفلسطينية، والتأكيد على ضرورة التوصّل إلى سلام عادل وشامل ودائم على أساس قرارات الشرعية الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن 2334 ومرجعيات مؤتمر مدريد للسلام، ومبادرة السلام العربية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي التي تمّ احتلالها سنة 1967، بما في ذلك القدس الشرقية على أساس حلّ الدولتين.

 

مواقف ثابتة ومنتصرة للدولة الفلسطينية

وقال بن فرح "تُجدّد تونس لمناسبة ذكرى استقلالها، التأكيد للشعب الفلسطيني الشقيق وقيادته وبكامل أطيافه ومؤسساته عمق ومتانة العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، وعلى تمسكها بنفس الثوابت لتظل تونس خير سند لإصرار الشعب الفلسطيني الشقيق على التمسك بكامل حقوقه الشرعية، وحماية قراره الوطني المستقل بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد".

وأضاف: "ستبقى تونس وفية لمواقفها الثابتة والمبدئية، منتصرة للدولة الفلسطينية ولدعم مؤسساتها في كل المجالات وذلك اقتناعا منها بواجب التضامن الطبيعي بين الأشقاء، وتقديرا من تونس لتضحيات الشعب الفلسطيني الشقيق من أجل الحرية والانعتاق، والدفاع عن الحقوق الشرعية الفلسطينية في كافة المحافل الإقليمية لتحقيق السلام العادل".

وتابع بن فرح: "كان لتونس وشعبها شرف احتضان القيادة الفلسطينية إلى حين عودتها إلى فلسطين، دون أن ننسى توحد الشعبين بامتزاج دم الشهداء من تونس وفلسطين جراء الغارة الإسرائيلية على مدينة حمام الشط".

 

علاقات التعاون بين البلدين

وحول علاقات التعاون بين البلدين، أشار بن فرح إلى التوقيع عام 2017 على اتفاقية إنشاء لجنة تعاون مشتركة ومشاورات سياسية منتظمة لأول مرة بين تونس وفلسطين في خطوة هامة لتطوير الاتفاق الإطاري للعلاقات الثنائية بين البلدين، موضحا أنه منذ عام 2015 تم توقيع نحو 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات.

وبيّن بن فرح أن تونس تقدم 200 منحة جامعية، 100 لطلبة البكالوريوس و100 لطلبة الماجستير والدكتوراه الفلسطينيين للدراسة في الجامعات التونسية، إضافة إلى 10 منح مخصصة لطلبة القدس.

وعلى الصعيد الرياضي، نوه إلى "قرار الاتحاد التونسي لكرة القدم باعتبار اللاعب الفلسطيني لاعبا محليا وليس أجنبيا، في خطوة جسدت مرة أخرى المستوى المتميز للعلاقات التاريخية والأخوية بين البلدين الشقيقين، وعبرت عن دعم الاتحاد التونسي لجهود الاتحاد الفلسطيني للنهوض باللعبة بشتى الوسائل".

وأشار بن فرح إلى إصدار البريد التونسي في ذكرى الاستقلال العام الماضي، طابعا بريديا عربيا موحدا تحت عنوان "القدس عاصمة فلسطين" ضمن سلسلة من القرارات التضامنية الداعمة للقضية الفلسطينية وللتأكيد على عروبة القدس ومكانة فلسطين وهويتها العربية والإسلامية، موضحا أن هذا الإصدار يأتي في ظل اعتماد القدس عاصمة دائمة للتراث العربي وأحد أشكال المواجهة الفكرية والمعنوية والمقاومة السلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

 

الاستقلال أوسع من أن يختزل في تاريخ فقط

وهنأ بن فرح التونسيات والتونسيين في كل أنحاء العالم، وخاصة العائلات التونسية في فلسطين، لمناسبة الاحتفال بذكرى الاستقلال، مثنيا على كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والجمعيات الفلسطينية ومنها "جمعية الأخوّة التونسية الفلسطينية" و"جمعية خريجي الجامعات التونسية" و"منتدى قرطاج-فلسطين"، وجمعية "البيت التونسي الفلسطيني" على اهتمامهم بتونس وأبنائها في فلسطين، وعلى كل ما يبذلونه من جهود ومبادرات لتعزيز مكانة تونس وخدمة أبناء الجالية في فلسطين عامة وخاصة في غزّة.

وقال إن ذكرى الاستقلال ارتبطت منذ 20 آذار 1956 في أذهان التونسيين بحدث وطني مهم في تاريخ تونس هزّ الوجدان وأذكى مشاعر حبّ تونس والتضحية من أجل استرجاع حرية الوطن، وانطلاق حلم بناء الدولة الوليدة، مؤكدا أن الاستقلال أوسع من أن يختزل في تاريخ فقط، بل فيه تأكيد على الوفاء للزعماء وللشهداء الذين وهبوا دماءهم الزكية وجهودهم في سبيل عزّة الوطن وكرامته وازدهاره.

وأكد أن "ثورة 14 يناير" المجيدة جاءت لتصحيح المسار وحماية مؤسسات تونس ومكاسب الإستقلال، وصيانة كرامة مواطنيها من القهر والدكتاتورية، فكانت فعلا ثورة حرية وكرامة وثورة مؤسسة للديمقراطية حازت بفضلها تونس على اهتمام وتقدير العالم واستحقّت بذلك عن جدارة جائزة نوبل للسلام لسنة 2015.

وأعرب بن فرح عن فخر تونس بما حققته في تجربة الانتقال الديمقراطي التي تخوضها بثبات لتظل تونس نقطة أمل مضيئة في مشهد إقليمي متأزم وعلامة على أن زهرة الديمقراطية يمكن أن تزرع وتينع في تربة عربية إسلامية كثيرا ما شوّهت صورتها، مشيرا إلى أن تونس تؤكد أنّ إرادة الانتصار لثقافة الحياة والمستقبل التي تحدو الشعب التونسي، ستسقط ثقافة الموت التي تروّج لها التنظيمات الإرهابية وتبقي الضمانة الأساسيّة لتقدّم عملية الانتقال الديمقراطي في تونس واستكمال طريق الاصلاح الشامل وبناء الغد الأفضل الذي يليق بتونس وشعبها.

 

انتقال سلس وسلمي للسلطة

ولفت إلى أن انتخابات 2019 مثّلت حدثا وطنيا مهما آخر في تاريخ تونس وتجربتها الديمقراطية الناشئة بعد رحيل رئيسها الفقيد الباجي قائد السبسي، وتمكنت تونس في ظرف زمني وجيز من إنجاز انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في دورتين وانتخابات تشريعية عبّر الشعب التونسي من خلالها مرة أخرى عن خياراته المستقبلية بكامل الحرية عبر انتخابات شفافة وديمقراطية.

وأضاف: "برهن التونسيون على ما وصله مسار الانتقال الديمقراطي من تطور عبر ضمان الانتقال السلس والسلمي للسلطة بين محمد الناصر رئيس الجمهورية بالنيابة آنذاك وقيس سعيد رئيس الجمهورية الذي اختاره الشعب التونسي من بين عدد من المرشحين الآخرين".

وتابع: "كما حافظ أبناء تونس على ذات الأسلوب الحضاري للتداول السلمي للسلطة بين يوسف الشاهد رئيس الحكومة المتخلي والياس الفخفاخ رئيس الحكومة الجديد بعد مخاض عسير في مناسبتين لتشكيل حكومة وفق مقتضيات الدستور وبعد نيل ثقة مجلس نواب الشعب (البرلمان) في أواخر شهر كانون ثاني 2020 في مشهد يدعو إلى الفخر لما وصلته تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس".

وتمنى بن فرح الصحة والعافية والسلامة للشعبين التونسي والفلسطيني، وأبناء الجالية التونسية بفلسطين، سائلا الله أن يحفظهم جميعا وأن يحفظ تونس وفلسطين من كل مكروه في هذه الأيام التي يواجه فيها العالم بأسره خطر "فيروس كورونا".

وأشاد بن فرح بالإعلام الرسمي الفلسطيني، المرئي والمسموع والمكتوب، مثمنا اهتمامه المستمر بتونس والمشاعر الطيبة التي يحمولنها تجاه تونس وشعبها وثورتها.