بعيدًا عن الكورونا وهمومها، هناك ما يشبه الصحوة في الكونغرس الأميركي تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه عدوانية إسرائيل وتوحشها على الصعيد السياسي والممارسات العدوانية بِحق الشعب الفلسطيني، هذه الصحوة بكل تأكيد تمثل تغييرًا ملفتًا في السياسة التقليدية، لهذه المؤسسة التشريعية الأميركية، التي في العادة تدعم إسرائيل ولا توجه أي انتقاد لها.

التطور الأخير بهذا الشأن، هو الرسالة التي وجهها 64 عضوًا، من أعضاء مجلس النواب الأميركي لوزير الخارجية بومبيو يطالبون فيها الإدارة الأميركية باتخاذ موقف من إقدام إسرائيل على هدم بيوت الفلسطينيين في الضفة والقدس الشرقية المحتلة وترحيلهم. وتوضح الرسالة، الموقعة من هؤلاء الأعضاء، إن اسرائيل تستخدم المعدات الأميركية، والتي قسم منها معونات وهبات. في هدم منازل الفلسطينيين، الأمر الذي يعتبر انتهاكًا لحقوق الانسان. أهمية هذه الرسالة إلى جانب مضمونها الواضح والقوي، هي بهذا العدد الكبير من أعضاء الكونغرس، وجلهم من الحزب الديموقراطي، وأيضًا في كونها تصدر بالرغم من انشغال الولايات المتحدة بمشكلة الكورونا، بمعنى أن هناك إصرارًا وموقفًا من هؤلاء لتوجيه نقد مزدوج لاسرائيل باعتبارها سلطة احتلال للأراضي الفلسطينية، وكذلك الأمر للإدارة الأميركية التي تقدم الدعم الأعمى لإسرائيل ولا تدقق وتتابع كيف استخدمت إسرائيل لهذه المعونات.

وهنا، ونحن نتحدث عن الصحوة والتغير الحاصل في الكونغرس، وحتى في الولايات المتحدة عمومًا، لا بد أن نشير إلى الرسالة التي قدمها أكثر من 114 عضوا من مجلس النواب و7 من مجلس الشيوخ رفضوا فيها صفقة القرن، التي وضعتها وتروج لها إدارة ترامب. والتغير يمكن لمسه في مواقف مرشحي الرئاسة الأميركية من الحزب الديمقراطي، والتي تتراوح بين مواقف المرشح اليساري ساندرز، والذي يتبنى مواقف واضحة من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في دولة خاصة به، وموقف المرشح جو بايدن، الذي يمثل تيار الوسط، فهو يرفض ضفقة القرن ويؤكد على مبدأ حل الدولتين، ولن يعترف بشرعية الاستيطان والضم.

ومن دون شك إن صحوة الكونغرس هي انعكاس لصحوة عامة في المجتمع، والتي اعتقد أن العداء لترامب وإدارته قد لعب دورًا مهمًا في حصولها. مواقف ترامب المتطرف سواء بالشأن الداخلي الأميركي أو في السياسة الخارجية، وتحديدًا عدم احترامه للقانون الدولي والأعراف والمواثيق الدولية، كان، قد أخاف أطرافًا أميركية وعالمية. المثل الأبرز في انتهاك ترامب للقانون الدولي كان في موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. سواء عبر اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل أو في اعترافه بضم الجولان، وأخيرًا في صفقة الفرن التي تمثل الانتهاك الأخطر. كل هذه المواقف، بالإضافة إلى صمود الموقف الفلسطيني. صمود القيادة الفلسطينية على مواقفها هو الذي جاء بهذه الصحوة.

التطور الإيجابي المشار إليه يمنح الفلسطينيين فرصة أكبر للعمل والتحرك في الولايات المتحدة. فاليوم هناك أصدقاء حتى داخل المؤسسة الرسمية، هناك أصدقاء كُثر في الكونغرس. أصدقاء كُثر في الحزب الديمقراطي وحتى الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني. هناك حجر أساس قوي يمكن البناء عليه، ولكن إذا تُرك هذا الأساس دون تحرك وعمل حثيث من قِبلنا يمكن أن يتراجع خاصة إذا لم يفز ترامب بولاية رئاسية ثانية. فالتغير جزء مهم من ردة فعل على سياسات ترامب، هناك فرصة اليوم علينا أن نحولها إلى سياسة ثابتة.