هل تكون جميلًا وقبيحًا في نفس الوقت؟ وهل يمكن أن يكون الاحتلال القبيح له من الجمال حظٌ؟ هكذا فاجأني صديق عزيز بالسؤال!

ولما عرفت مغزاه أدركت التناقض، فهو كان يشير إلى عضو الكنيست الإرهابية الصهيونية العنصرية من حزب العمل المدعوة "أورلي ليفي أبيكاسيس" التي تنظر للعرب شزرًا-رغم جمالها الظاهري كامرأة-وترفض القائمة العربية المشتركة، فقلت له أن الاحتلال والعنصرية والاستغلال قبح مطلق، وأشرت الى أن زميلتها العنصرية وزيرة الثقافة الصهيونية "ميري ريغيف" التي احتقرت العرب والقدس، واستقبلها العرب بالأحضان؟!  وصفت بالجميلة شكلًا!

وللمزيد حول القُبح والجمال فلقد جادل علماء وأدباء وفلاسفة العرب في فهم الجمال ما بين الجمال الحسي والجمال الروحي، وكان هذا شأن إبن رشد وإبن الهيثم وإبن حزم وابن سينا وغيرهم، وفهم للجمال المتنوع من خلال المشكلة المزودجة للجمال الطبيعي والجمال الإلهي، والإدراك الحسي والإدراك الداخلي.

والجمال هو واحد من الأثافي الثلاثة التي قامت عليها منظومة القيم الخالدة وهي: الحق والخير والجمال. والانسان بطبيعته لا يحب القبح ويبجّل الجمال ويبحث عنه سواء الروحي أم المادي، وبمفهوم التناسق بأي طريقة يفهمها، حيث يبحث عنها بالنظر والسمع والملمس والشم أي بكل حواسه الظاهرة، والباطنة.

ولقيمة الجمال اختلف العالم بمعايير الجمال ومواصفاته وهذا شيء طبيعي ومقبول، ولكن يظل السعي لما هو جميل الأصل، فلا يرغب أحد بالقباحة إلا القبيح بذاته وإن كان بشكله قد يبدو جميلاً كمثالنا السابق.

ما بين الجمال بالعقل والجمال الحسي، والجمال الديني أو باعتباره شعور خالص لا غاية وراءه، أو أنه مرتبط بالفن أم بالطبيعة وهكذا تعددت المفاهيم وتطورت.

أما العرب فلقد رأوا الجمال بالمرأة وبالجمل والفرس والأطلال والطبيعة والنفس والدين، وبالقيم والأخلاق كالكرم والشجاعة والفطنة...الخ.

ومن أسماء الله الحسنى الجمال، فالله جميل يحب الجمال، وإن من البيان لسحرًا وللسحر جماله الجذاب واضح الدلالة، فنقول للجميل أنه أخّاذ أو ساحر أكان الجمال لحنا أم زهرة أو حديثا أوامرأة أو قطة، أم كان موقفًا تمثل فيه قيم الأثرة أو اللطف أوالحب...الخ مجاله.

وتميز العرب بقرن الجمال الحسي عامة بالصدق أي بالقيم ، حتى بالشعر الذي اعتبر جميلا مادام صادقًا، وليس كاذبًا كما هو متداول عن الشعر، حيث يقول الشاعر طرفة بن العبد:

            إن أحسنَ بيتٍ أنت قائلُه              بيتٌ يُقال إذا أنشدته صدقا.

وهنا في سياق فهم الجميل والقبيح وارتباطه بالقيم والاخلاق فلا قيمة لجمال بضعة أفعال تجميلية ترويجية للاحتلال أو الاستعمار أو الاستبداد لأنه بحقيقة مكوناته قبيح، كما لا يمكن أن تقول عن فُريس "فيروس" كورونا أنه جميل بأي شكل.

إلى ما سبق ومقابل "ريغيف" القبيحة و"أبيكاسيس" القبيحة، فلقد أثار منشور كتبته مقدمة برامج إسرائيلية تدعى "روتيم سيلع" على فيسبوك عام 2019 -وجاء فيه أن ب"إسرائيل" مواطنين عربًا وهم آدميون كغيرهم من البشر- موجة غضب عارمة وانتقادات لاذعة في "إسرائيل"، ومن بين الانتقادات القبيحة التي وجهت لمقدمة البرامج تعقيب من رئيس الوزراء الإسرائيلي العنصري "بنيامين نتنياهو" جاء فيه أن "إسرائيل" دولة قومية للشعب اليهودي فقط!

لا الديمقراطية تحت سوط الاحتلال والإرهاب والقمع تعد جمالًا، ولا تعد خيرًا كما لا تُعَدُّ حقًا، حيث لا تناسق البتة بين المظهر والمخبر.

وكذلك الأمر مع المحتلين أنفسهم، الذين لا ينفع جمالهم الحسّي-إن وجد- حيث يطغى القبح الداخلي على  الجمال الظاهري، كما ويظهر قبحهم بالقيم المعوجة وبالأفعال.