بالرغم من إعلان منظمة الصحة العالمية من أن وباء كورونا تحول وفق التصنيفات المعمول بها إلى جائحة عالمية، وبالرغم من تزايد رقعة انتشاره وسرعة وتيرته على المستوى الدولي، بحيث لم تعد تخلو دولة من هذا الوباء بغض النظر عن مستوى تحضرها وتقدمها على الصعيد العلمي والتكنولوجي والعسكري وغيره من المعايير التي لا يكترث لها الفيروس اللعين المسمى كورونا. وبالرغم من وجود عدة نماذج ماثلة أمامنا ونعايشها لدول تقاعست أو استهترت أو قللت من شأن خطورة هذا الفيروس إلا ودفعت الثمن غالياً بعدما خرجت الأمور عن السيطرة، ولعل دول القارة الأوروبيةتشكل نموذجاً واضحاً لما آلت إليه الأمور نتيجة عدم الاستجابة السريعة للتعامل مع الوباء، حتى باتت الاجراءات الروتينية المطلوبة غير مجدية في احتواء وتطويق انتشار المرض.

بالرغم من ذلك كله تصر سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة على المضى قدماً بسياسة اللامبالاة والاستهتار بالإجراءات الواجب اتباعها وفق ارشادات منظمة الصحة العالمية للتخفيف من آثار هذا الوباء في حال تفشيه، وهنا لا نقصد تنكرها واستخفافها ورفضها ومن باب المناكفة المقيتة التي اعتادت عليها حماس لقرار الرئيس أبو مازن بإعلان حالة الطوارئ واعتبار قطاع غزة غير مشمول بالإجراءات التي أعلنتها الحكومة الفلسطينية بما ينسجم مع خطورة الوضع وتواضع الامكانيات المتاحة للسلطة الوطنية في مواجهة أو إحتواء الوباء في حال انتشاره لا قدر الله، ولا نقصد إصرارها "عنزة ولو طارت" على خلو قطاع غزة من حالات مصابة بالفيروس كمبرر لموقفها الرافض لتعميم حالة الطوارئ، ولا تلكؤها في الدعوة إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة، ولكن جل ما نقصده هو انه وبالرغم من بعض الاجراءات التي تم الاعلان عنها بواسطةما يسمى "لجنة المتابعة الحكومية"، إلا أن مستوى التفاعل والاستجابة من قبل حكومة الأمر الواقع لتنفيذ الاجراءات المنصوص عليها من قبل منظمة الصحة العالمية ومن قبل وزارة الصحة الفلسطينية ما زال بحده الأدنى، حتى لا يكاد يشعر به المواطن.

من القضايا الواجب اتباعها هو العمل على تحويل الاجراءات والاحتياطات المطلوبة في مواجهة هذا الوباء إلى ثقافة مجتمعية يمارسها الجميع بوعي كامل لخطورة الأمر من خلال حملات إعلامية مكثفة لماهية هذه الاجراءات وسلوك ميداني يترجمها واقعاً، وهو ما لا نلمسه حتى الآن، وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بالكثافة السكانية التي تخنق قطاع غزة، والتواصل الجغرافي حد الاندماج الذي يصعب معه عزل منطقة عن أخرى، بالإضافة إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية وما يرافقها من سلوك وعادات (السلام باليد والتقبيل، والتجمعات العائلية والدواوين العشائرية والمشاركة في الافراح والأتراح ...إلخ)، ناهيك عن عدم قدرة القطاع الصحي على مواجهة هذا الوباء في حال تفشيه نظراً لشح الامكانيات أولاً، ولعدم الثقة في قدرة من يحكم غزة بإدارة  قضية بهذا المستوى من الخطورة، حيث إن القضايا التي يجيدون التعامل معها معروفة للجميع.

لقد ثبت وبالتجربة العملية أن السلاح الأقوى والأكثر فعالية في مواجهة هذا الوباء هو "الوقاية" واتخاذ ما يلزم من إجراءات قد تبدو من وجهة نظر الأغبياء والجهلة أنها متطرفة ومبالغ فيها، ولكنها تمثل طوق النجاة للجميع، ومن أجل المصلحة العامة وفي ظل تقاعس واستهتار حكومة الأمر الواقع فقد بات مطلوباً من النخب والمثقفين وأصحاب الرأي والأكاديميين والمجموعات الشبابية ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني أخذ زمام المبادرة وتوحيد الجهود للعمل على نشر ثقافة "الوقاية خير من قنطار علاج"، والدعوة إلى اتباع الاجراءات اللازمة وفي مقدمتها اجراءات السلامة الشخصية، والتصدي لأي قرارات من شأنها أن تشكل منفذاً لانتشار وتفشي الوباء لا قدر الله، ولكم في اخوانكم وسلطتكم الوطنية بكافة مؤسساتها خير قدوة في درء الخطر عن أهلنا في المحافظات الشمالية من الوطن، والتي شكلت نموذجاً أشادت به منظمة الصحة العالمية والعديد من الدول، وإن دعوتنا هذا لا تنتقص من قدر وجهد جميع من شارك في حملات التوعية من شباب ونخب ومؤسسات.

وبالعودة إلى الاجراءات التي تم الاعلان عنها من قبل ما يسمى "لجنة المتابعة التي شكلتها سلطة الأمر الواقع" والتي تضمنت عدة بنود جميعها جاءت متأخرة وعلى استحياء وفرضتها الإرادة الشعبية تحديداً في قضية اغلاق المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية، إلا أنه من الملاحظ ان البند المتعلق بمتابعة مروجي الاشاعات وملاحقتهم قانونياً، كان الأوفر حظاً في اهتمام ومتابعة سلطة الانقلاب وميليشياتها الأمنية، وهو ما بات واضحاً في عملية اعتقال الكاتب والناشط السياسي المستقل عبد الله أبو شرخ على خلفية منشور شاركه حول حادثة النصيرات (ليس كورونا) وحذفه بعد دقائق معدودة، وهو من تم اعتقاله قبل ذلك أكثر من مرة على خلفية كتاباته على الفيس بوك وانتقاده سلوك وممارسات حكومة الأمر الواقع وميليشياتها، وقد اصدرت الوزارة المزعومة بيانا بهذا الشأن في حين أنها لم تصدر بيانات وتعميمات تتعلق بوباء الكورونا (عبد الله أبو شرخ أكثر أولوية من مواجهة  الكورونا)، وفي تناقض واضح وضمن سياسة المعايير المزدوجة تعتدي اجهزة امنها بالضرب على الصحفي ياسر ابو أبو عاذرة وتصادر كاميرته اثناء تغطية قمع تلك الاجهزة لأهالي حي النصر- شرق رفح احتجاجا على اقامة مقر للحجر الصحي بين السكان، وهو قضية أخرى تضاف إلى سوء ادارة الأمور في معالجة هذا الوباء.