لا تمتلك الحكومة الفلسطينية فائضًا ماليًا لدفع تعويضات للعمال المتوقفين عن العمل في الداخل- أكثر من 200 الف عامل- خلال فترة توقفهم القسرية، لكن أجورهم قياسًا بأجور نظرائهم العمال والموظفين في الوطن ستمكنهم من تحمل عبء التوقف عن العمل الذي قد لا يستمر لفترة طويلة، وسيحسب هذا الموقف في سجل تضحياتهم من أجل سلامة أنفسهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم والوطن أيضًا نظرًا للخطر الكامن في استمرار ولوجهم إلى مناطق عمل في إسرائيل التي باتت في أوضاع صعبة لا تحسد عليها، حتى لو بالغت سلطات الاحتلال في تقنين أرقام العمال المسموح لهم بالدخول، أو تشديد الإجراءات الوقائية الصحية... ونعتقد في هذه النقطة بضرورة تحمل الحكومة مسؤوليتها الكاملة عبر اتخاذ قرارات سريعة مناسبة من شأنها حفظ أمن المواطنين الفلسطينيين ضمن ولايتها دون استثناء وإقرار ما يلزم حسب إمكانياتها المادية المالية المتوفرة، وعلى إخوتنا العمال اعتبار تحمل الحكومة فاتورة رواتب موظفي الدولة الرسميين التي تستهلك معظم موازنتها، والأخذ في الحسبان الضغوط المالية وقرصنة سلطات الاحتلال لأموال الضرائب الفلسطينية.
ننتظر - بين ساعة وأخرى- قرارًا ذاتيًا يتخذه العمال الفلسطينيون العاملون في قطاعات الزراعة والبناء وغيرها من المهن لدى أرباب العمل الإسرائيليين في الداخل، قرار الامتناع عن العمل في الداخل لمدة معينة لا تقل عن أسبوعين، فصحتهم وأمن عائلاتهم وأمن محيطهم الاجتماعي الصحي بات أمانة في رقابهم، والمسؤولية الأخلاقية الفردية والجمعية والوطنية تتطلب منهم اتخاذ القرار وتطبيقه فورًا ودون تردد.
وننتظر قرارًا عاجلاً من الحكومة بإغلاق الطرق المؤدية إلى المعابر الخاصة بمرور العمال إلى الداخل ومنع الوصول إليها ما لم يبادر العمال إلى إعلان توقفهم على العمل بسبب الأوضاع الصحية السلبية السائدة لدى منظومة ومجتمع الاحتلال، ونعتقد في هذا السياق أن كل يوم تأخير في تطبيق قرار إعلان الطوارئ ستكون آثاره كارثية، فإن كنا نثق بإجراءات الوقاية من طرفنا، فإننا لا نثق بالإجراءات لدى الجانب الإسرائيلي في ظل تصاعد أرقام الإصابات المعلنة في وسائل الاعلام الرسمية والخاصة.
يحق للعامل الفلسطيني في الداخل أخذ قرار ذاتي بالتوقف عن العمل ما دامت بيئة العمل تشكل خطرًا على حياته خصوصًا إننا نتحدث عن حالة وباء عالمي كما صنفته منظمة الصحة العالمية، ويحق له العودة إلى مكان عمله حال زوال الخطر، ونعتقد أن العامل الفلسطيني على درجة من الوعي ليدرك أن المنظومة الحاكمة في اسرائيل معنية بمهارة العامل الفلسطيني وإنتاجيته، ومعنية أيضًا بتوفير كل الظروف الملائمة لاستمراره في مكان العمل لضمان عجلة الانتاج، ويدرك بذات الوقت أن منظومة الاحتلال تستطيع عزل العمال الفلسطينيين في أماكن العمل عبر اجراءات مشددة ضمن خشية محدودة وضئيلة نسبيًا، لسبب رئيس وهو أن العمال الفلسطينيين يعودون إلى بيوتهم في المدن والقرى الفلسطينية بعد انتهاء يوم العمل، إضافة إلى سبب آخر وهو أنه بالإضافة إلى فحص السلطات الاسرائيلية العمال الداخلين بعد تقليص عددهم الى 50% تقريبا حوالي (110 آلاف عامل) فإنهم مطمئنون إلى نجاح السلطات الفلسطينية الصحية وتطبيقاتها الوقائية غير المسبوقة.
سيعتبر رؤوس منظومة الاحتلال الاسرائيلي أي قرار وقائي للحكومة الفلسطينية بمنع وصول العمال الفلسطينيين إلى الداخل هجومًا، ربما يضخمونه في رواياتهم الدعائية ويروجونه (كإعلان حرب) اقتصادية فلسطينية عليهم ، لإدراكهم حجم الخسائر التي سيتكبدها قطاعًا الزراعة والبناء حال توقف العمال الفلسطينيين عن العمل ولو لشهر واحد، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم قدرة هذه المنظومة على استيعاب عمالة آسيوية أو من أي جنسية اخرى في مثل هذه الظروف.
تبدو الأوضاع معقدة ومتشابكة، ولا يكمن حلها إلا باختيار أمر من اثنين، الحفاظ على حياة العامل الفلسطيني وعائلته ومجتمعه مهما كانت التضحيات المادية ،وهذا يتطلب قرارات حاسمة من العمال أنفسهم والاتحاد الذي يمثلهم، أو من الحكومة التي نؤمن بإعلائها مبدأ سلامة الإنسان الفلسطيني وضمان حقوقه فوق كل اعتبار، أو إغفال كل الأخطار المتوقعة من استمرار تدفق عمالنا على بيئة تتسارع وتيرة تفشي الإصابات بها، لا يمكننا بعد وصولها إلى بيئتنا السيطرة عليها فنكون كمن انتحر ذاتيًا، وعلينا ألا نغفل عن أمر وهو أن رب العمل الاسرائيلي واحد، أما العمال الفلسطينيون فبالعشرات إن لم يكن بالمئات في موقع واحد، وبهذه المعادلة فإننا سنخسر معركة الديموغرافيا شئنا أم أبينا إن استخدم الفيروس كسلاح بيولوجي ضدنا.