أزمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ما زالت قائمة في أعقاب انتخابات الكنيست الـ23. فلا الليكود وائتلافه اليميني المتطرف قادر على تجاوز الـ58 مقعدًا في البرلمان، ولا تكتل كاحول لافان قادر على تشكيل حكومة ضيقة بدعم خارجي من قبل القائمة المشتركة، لأنه يواجه أزمة داخلية، حيث أعرب كل من يوعاز هندل، وتسفي هاوزر رفضهما دعم هكذا حكومة، وابلغا كلا من غانتس ويعلون بموقفهما. كما أن أورلي ليفي ابيكاسيس، زعيمة غيشر من تكتل "العمل غيشر ميرتس"، القت بقنبلة جديدة أمام عربة الحكومة المؤملة لغانتس، عندما رفضت دعم هكذا حكومة، فأسقط في يد كل من عمير بيرتس، زعيم التكتل، وأيضًا بيني غانتس. وبالتالي حتى لو افترضنا في أحسن الأحوال دعم كل مكونات القائمة المشتركة فلن يتمكن زعيم تكتل أزرق أبيض من تولي رئاسة حكومة جديدة.

الاستعصاء في تشكيل الحكومة يضاعف من أزمة الدولة الإسرائيلية، وهذا يعود لكون التكتل المقابل لليمين المتطرف بقيادة الليكود، ليس أقل يمينية، ولا أقل تطرفًا وعدائية للفلسطينيين عمومًا، وممثليهم في القائمة المشتركة. مع أن الأمر سيكون مختلفًا تمامًا لو كان بنيامين نتنياهو يحتاج لأصوات نواب المشتركة، عندئذ سيمد يده لهم، ويناور حتى يحصل على أصواتهم. لأنه مستعد أن يتخذ أي خطوات دراماتيكية ومتناقضة مع الأيديولوجيا والثوابت والشعارات، التي رفعها، ويرفعها اقرانه مقابل البقاء على رأس الحكومة.

بالمقابل هو الآن يعمل على سيناريوهين، الأول استقطاب بعض أعضاء تكتل أزرق أبيض مقابل جوائز ترضية، وعلى ما يبدو انه استمال ابيكاسيس، التي أطربها تصريح كاتس، وزير الخارجية الحالي، عندما قال، إنها الأنسب لتولي وزارة الصحة. ويقال ان شقيقها ليفي زار نتنياهو قبل أيام، حتى لو لم يتمكن من تشكيل الحكومة، رغم استماته ببلوغ ذلك. ولكن في حال لم يبلغ مراده، لا يقبل لخصمه برئاستها؛ الثاني الذهاب لجولة رابعة، والحؤول دون تمكن غانتس من تشكيل اي حكومة. لأنه يدرك أن خروج مقود الحكومة من يده، يعني ذهابه للسجن، أو الاعتزال السياسي بالحد الأدنى، وهو ما لا يقبل به.

 لذا ما زال يناور لخلط الأوراق داخل التكتل المنافس، وقلب حساباته رأسا على عقب. واعتقد انه نجح على الأقل حتى اللحظة الراهنة في نصب الحواجز والمتاريس امام طموحات الجنرال حديث العهد في السياسة، ومنعه من الوصول لتولي رئاسة الحكومة الجديدة مهما كلف من أمر. وهو في ذات الوقت مطمئن لتكتله اليميني المتطرف، حيث قيدهم بروابطه الديماغوجية والنفعية، بعكس تحالف أزرق أبيض غير المتجانس، والقابل للاختراق.

ولا أريد هنا مناقشة دعم المشتركة من عدمه لغانتس. بقدر ما سأحاول استشراف الأزمة الإسرائيلية القائمة، وأي السيناريوهات أفضل لمستقبل السلام والمنطقة، والعلاقة بين القيادتين والشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. كما ذكرت في مقالة أول أمس أزمة إسرائيل عميقة عمق ولادة الدولة المشروع الصهيوني، وليست حديثة العهد. لكن الأزمة الحالية لها خاصية ونكهة مختلفة، لأنها تصب الزيت على الرماد المتقد في المجتمع الإسرائيلي، وتعمق الكراهية والبغضاء، وتولد العنف من خلال تصاعد عمليات التحريض، التي بدأت مباشرة بعد الانتخابات بإلباس قيادات تكتل أزرق أبيض الكوفية الفلسطينية، وهو ما يعني إشهار عملية الاغتيال، كما حصل مع إسحاق رابين عام 1995. وأما عن السيناريوهات الافتراضية الممكنة إسرائيليًا، وأيهما أفضل، هل إزالة وإسقاط نتنياهو عن الحكم أفضل، أم الذهاب لجولة رابعة وخامسة وسادسة للانتخابات حتى لو بقي بيبي على رأس حكومة تصريف الأعمال؟

على أهمية إسقاط نتنياهو، ودخوله أقبية الزنازين بتهم الفساد الثلاث التي تلاحقه، وإسدال الستار على حقبته السوداء في حكم إسرائيل، وقتل آفاق السلام، إلا أن الذهاب لجولات جديدة للانتخابات يكون افضل، وأكثر أهمية. لأن السيناريو الأخير سيصدم الشارع الإسرائيلي، ويعمل على إيقاظ بعض نخبه للخروج من عباءة نتنياهو واليمين المتطرف بشكل كلي، ودفعها للتمرد على الواقع المجنون، ويكون مردوده أكثر ايجابية على الشارع الإسرائيلي. بعكس سقوطه الآني، مع إني أعتقد جازمًا، انه سقط، ولم يعد حاكمًا فعليًا لإسرائيل منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، رغم كل براعته ودهائه ومكره. وبقاؤه على رأس الحكومة بقدر ما يحرره من قبضة السجن راهنًا، بقدر ما سيضاعف ويزيد من مستقبله الأسود في قادم الأيام.