الصخر في الجبل قد يزيده حجمًا، لكن إنسان الأرض المقدسة على قمته يزيده علوًا وشموخًا.
جبل العُرمة جنوب نابلس دخل موسوعة المقاومة الشعبية الفلسطينية كأعلى جبال الوطن حتى لو جاوزه في طبيعة البلاد جبل آخر بمعيار القياس بالمتر، فهنا في العرمة معايير القياس متعددة ومختلفة تمامًا، الروح ثم الجراح، ثم الصمود، ثم الدموع ثم السواعد السمراء القابضة على جمر الحجارة، ثم صدور الشباب الشجعان.. فذروة الجبل عند الثمانمئة والثلاثة وأربعين مترا صارت بهامات الشباب الرجال وعزيمتهم أعلى من قمم جبال الهيمالايا.
العُرْمَةُ في القاموس العربي هي الكُومَةُ من القمح المَدُوس الذي لم يُذَرَّ، والفلسطينيون على ذروة الجبل يقاومون لحماية أصولهم ومستقبلهم على أرض وطنهم، أصول أجدادهم الأولين والآخرين، الكنعانيين ومن قبلهم، والصامدين المتجذرين هنا وما بعدهم، هنا على قمة الأرض مواقد نار ولهب وخيام وتحت قبة السماء علم.
الآن يمكن تصنيف علامات الحياة البشرية على الجبل تحت عنوان العصر الذهبي، عصر صمود وديمومة الشعب الفلسطيني، وما شواهد الحياة وآثارها من العصر البرونزي المتوسط إلا بينات تاريخية على جذور أجدادنا العظام في كل متر من الستين ألف متر مربع.
الغزاة المستوطنون العنصريون الفاشلون بين أقوامهم وجنسياتهم الأصلية، الهابطون إلى أدنى مراتب البشرية المدججون بسلاح جيش منظومة جريمة الحرب والاحتلال (اسرائيل) يحملون على هذا الجبل للسيطرة على علائم التاريخ والحضارات المتعاقبة من حقبة الملك هيرودوس (الرومان) والأمويين والعثمانيين تمهيدًا لإفسادها وسرقة ما أمكنهم وتزييفه ونسبه إلى قائمة أوهام يحاولون فرضها على العالم كحقائق لكنها ليست أكثر من صور سراب سرعان ما يتلاشى عندما يقف الفلسطيني حاميًا لحضارة الانسانية، مانعًا لصوص التاريخ من فرض روايتهم وشريعتهم وقوانينهم العنصرية.. فهنا في جبل العرمة لا إرث ولا آثار لمن لا أثر له أو تأثير في الحضارة الانسانية إلا بعلامات القتل وسفك الدماء والمؤامرات.. لا إرث ولا أثر للذين تم تحميلهم بسفن وطائرات وتم إسقاطهم على أرضنا كألغام بشرية يعيثون في الأرض المقدسة فسادًا وتقتيلاً.. فهؤلاء المجرمون ذاهبون مع جيشهم لرفع رقم مستوطناتهم في محيط نابلس إلى أربعين بعد بؤرة الإجرام في العالم مستوطنة (يتسهار) ومثيلتها (إيتمار) ومعهما 37 مركز جريمة تسمى في قاموس السياسة مستوطنة، لكنها في شريعة القانون الدولي تجمع لمجرمي حرب، ومجرمين ضد الانسانية.
لم يكن الفتى الشهيد محمد عبد الكريم حمايل، أول الشهداء، ولن يكون آخرهم فمن قبله شهداء وجرحى عمدوا صخور الجبل، ضحى ثلاثمائة شاب من أهل البلد بحرياتهم، وتحملوا المعاناة في زنازين الاحتلال الاسرائيلي من أجل حرية الجبل وحتى يبقى قمة شقيقة لقمة جبل النار (نابلس).
ينتقم جيش الغزو والاحتلال والاستيطان العنصري في منظومة تل أبيب، ويحاول قادته استرجاع صورة الردع التي أفقده إياها أبطال المقاومة الشعبية قبل بضعة أيام، حينما انتشرت صور الانسحاب المذل لقوات الجيش والمستوطنين تحت وابل من حجارة أبناء الجبل، لكن تنفيذ مخطط ترامب الاستعماري (الصفقة) على الأرض هو الهدف الأبعد من هدف الانتقام.. ورغم وقوع الجبل في مناطق (ب) إلا أنه مستهدف وفق المخطط الاستعماري الاستيطاني الجديد، لكن هل سيفلح المستعمرون فيما أخفقوا فيه قبل ثلاث سنوات 2017 عندما تصدى المواطنون أهالي بلدة بيتا والقرى المجاورة لمحاولة المجرمين المستوطنين إنشاء بؤرة استيطانية على جبل أبو صبيح القريب.
ما بين (الخان الأحمر) بوابة القدس الشرقية بالأمس وجبل العرمة اليوم بوابة نابلس الجنوبية رواية صمود ومقاومة شعبية، وحق وتاريخ وحاضر ومستقبل، فعلم فلسطين الرباعي الألوان الذي رفعه مناضلو فتح بالتعاون مع بلدية بيتا على قمة الجبل أقسم أهل البلد على إبقائه خفاقا، وليبقى بينه وبين العلم الذي سيرفع في سماء القدس الحرة المستقلة صلة أمل عظيم، نعتقد كلنا بوجوب العمل المنظم والمبرمج والممنهج لحمايته بكل الوسائل الشعبية، والرسمية، والقانونية الدولية، والأهم بالوحدة الوطنية. فجبل العرمة يناجي جبل الزيتون، وإنا نحن لحقنا وأرضنا وتاريخنا ومستقبلنا لمنتصرون، فالأمر بات كمعركة مصير، فإما قمته أو لا نكون.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها