وصفت الصحافة العالمية الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس (أبو مازن) بالجريء، فهو أول رئيس دولة يعلن حالة الطوارئ بسبب تفشي فيروس الكورونا الذي تحول إلى وباء عالمي وجائحة مشتعلة تجتاح دول العالم، إنه قائد الشعب الفلسطيني المسكون بالإيمان وبآية الرحمن (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).
منظمة الصحة العالمية أشادت بالإجراءات والخطوات والتدابير السريعة التي  قامت بها السلطة الوطنية الفلسطينية في مكافحة هذا المرض الخطير ومنع انتشاره ووصفتها بأنها تفوق ما هو موصى به دوليًا، لا سيّما أنَّ هناك دولا متقدمة علميًّا وطبيًّا تباطأت في إعلان حالة الطوارئ إلّا في وقت متأخر كانت فلسطين قد سبقتها.
دولة فسطين الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، المحاصرة والمفتتة جغرافيًّا وسكانيًّا بسبب الاستيطان والحواجز والشوارع الالتفافية، تتعرض للبطش الإسرائيلي يوميًّا من قتل واعتقالات ومداهمات وهدم بيوت ومصادرة أراضي، تتفوق بإمكانياتها البسيطة على دول كثير في مواجهة وباء الكورونا، لأنَّ دولة فلسطين تملك الحلم لشعبها الآن وغدًا، قوّة الحلم هي هذا التحدي.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، دائمًا في الأمام، لسنا في الدور الأخير على مسرح الأحداث أو في ما يُسمّى مؤامرة صفقة القرن كما يظنون، دائمًا نحن في الأمام، نعلّمكم أن ترونا وأن تعرفونا وأن تسمعونا، أن تلمسوا دمنا، نعلمكم كيف نحمي هُويّتنا وصحتنا في كل الأزمات، في الحرب وفي السلم وفي الوباء، نرفع عَلمنا الفلسطيني في كل الرياح لتحيا الحياة.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، نتصدّى لوباء الكورونا والهواء الأصفر كما نتصدّى لقطعان المستوطنين، ندافع عن الملح في خبزنا، نعرف أن الحقيقة أقوى من المدفع مهما تغير نوع السلاح، هذه الأرض لنا مقدّسة حجرًا حجرًا، ولدنا فيها ونرجع منها واليها، نعيد إليها روحها لتضيء لنا ليالي الصلاة.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، مدينة الميلاد بيت لحم تقرع الأجراس، كل شخص يسير على خطى اليسوع عليه السلام، يشفي المرضى والجرحى ويزور الفقراء، يحرر يديه من مسامير الصليب، تلتحم أضلاع المدينة، الناس في الشوارع، تضامن من القلب إلى القلب، الكبير والصغير، الطفل والشاب والمرأة، الراهب والراهبة والشيخ، الكنيسة والجامع، الأغنية والكتاب وحبة الدواء، الشعب في جبهة واحدة.. الحكومة والوزارات والأطباء والنقابات والاتحادات واللجان والشبيبة والمؤسسات والأجهزة الأمنية والشرطية، المدن والمخيّمات والقرى والحارات ووسائل الإعلام، يحملون الوطن فوق أكتافهم العالية.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، شعب يعلو فوق قدره، شعب لا يتردد، المآذن تنادي على الصوامع، هذا يحمل جرات الأكسجين، وهذا يحمل الكمامات، وذاك ينقل الدواء والغذاء والمعقمات للمصابين، نحن حراس كل بيت وشرفة، فيا أيها الناس تعالوا إلى بيت لحم، نحن نفتح نافذة في الأمل وفي الحجر، رغم المحنة لم نقايض رغيف العدو بخبز الشجر.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، كل شخص تحول إلى سيارة إسعاف، وفي مدينة بيت جالا تجد الجميع صاروا شفعاء يغرسون حرابهم في بطن الوحش، كل يحمل بسمة وشمعة يضاء نورها بالزيت والمحبة والبشارة والكبرياء.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، ما هذه الأيام الفلسطينية؟ تجيء الشموس من كل الجهات، انظروا مدينة بيت لحم لها رائحة البخور والليمون والبابونج والقزحة والزعتر والشفاء، انظروا رئة بيت لحم تتنفس، لا رعب ولا هلع، يخرج الناس منذ الفجر متوكّلين على الله، يحميهم الرجاء والدعاء، رئة بيت لحم تتنفس تفيض وتقيض بالهواء.
الجريء هذا هو الشعب الفلسطيني، الكل يمشي بين رذاذ الكورونا، سنهزم هذا المرض اللعين، لا نخاف من الموت، سنسابق الوقت ونجترح المعجزة، وإن كان لا بدَّ من موت فليكن جميلاً، جميلاً كما الحياة.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، يواجه بالكمامة الغاز المسيل للدموع الذي يقذفه جنود الاحتلال على المظاهرات السلمية، كما يواجه فيروس الكورونا ويودع الشهيد الطفل محمد حمايل في نابلس شهيد الجبل الذي أعدمته قوات الاحتلال، يواسي المرضى في المستشفيات، يجمع بأعجوبة بين الدنيا والآخرة.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، يصحوا فجرًا ليجد المستوطنين الحاقدين قد اقتلعوا أشجار الزيتون من الحقول، لا بأس، نزرع الأمل في النفوس، نسير بين الشظايا الكثيرة، نستمد من حبل صمودنا أسباب الحرية والنجاة.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، لا مسافات، نبضات تتدفق في نبضات، شرايين تتدفق في شرايين، لن يخنقنا السعال والكورونا والاحتلال، لن تتوقف الدقات، قلبنا كبير كهذا الوطن، يتّسع لكل الحب والجمال وصوت الماء، تضيق بنا الطريق أو لا تضيق سنستمر إلى آخر الطريق.
الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، يغزل من الفضاء عباءة له وينام تحت نجمته الوحيدة، وعليهم أن يصدقون بأنَّنا الذين نروض المستحيل والمصائر بأرواحنا العنيدة، وعليهم أن يصدقون أننا إذا نطقنا اسم النهر في قافية يجري النهر في القصيدة، وعليهم أن يصدقونا أنّنا إذا أطلنا التأمل في وردة لا تزحزحنا العاصفة، الأرض في آذار تلد الزهور من الصخور في حلتها الجديدة، لنا الحياة والسلام والعافية.