ما الذي يجعل فيروس كورونا يصيب عددًا من الناس بينما يصمد آخرون في وجه العدوى رغم احتكاكهم المباشر بشخص مصاب سواءً أكان حاملاً للفيروس أم مريضًا؟

الإجابة هي في جهاز المناعة، الذي يشكِّل أداة المقاومة الفعالة ضد مختلف أنواع العدوى، من فيروسات وبكتيريا وفطريات وغيرها، إضافة إلى دوره كشرطيّ يحافظ على النظام والانضباط داخل الجسم ويكبح جماح النزعة الشريرة عند بعض الخلايا والأنسجة للتكاثر بشكل عشوائي، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور السرطان بمختلف أنواعه.

هناك عوامل عديدة تؤثر على سلامة وفاعلية جهاز المناعة لدى الإنسان، لعلّ أهمها هو النظام الغذائي المعتمد على الأغذية الطازجة (غير المعلبة ولا المصنعة) الغنية بالفيتامينات والفقيرة بالدهون والسكّريات، وهنا لا بد من التركيز على بعض العوامل ذات التأثير الخاص على جهاز المناعة:

- فيتامين D الذي يلعب دورًا محوريًا في نشاط الخلايا اللمفاوية المسؤولة عن المناعة. من هنا تبرز أهمية التعرض لأشعة الشمس، لأن انتاج هذا الفيتامين داخل الجسم بحاجة إلى تلك الأشعة. وليس مصادفة أن معظم الفيروسات تنشط وتزداد فتكا في فصل الشتاء حين تحجب الغيوم عنّا أشعة الشمس- مصدر الحياة.

ولعلّ من المفارقات أن جائحة "الوباء الأسود" أو الطاعون التي ضربت أوروبا في القرن السادس الميلادي قد سبقها انفجار ثلاثة براكين خلال 11 عامًا (536-547) في نصف الكرة الشمالي وهو ما تسبب بحجب أشعة الشمس لفترة طويلة وبالتالي إلى نقص فيتامين D، وهذا بدوره -ضمن عوامل أخرى- ما جعل شعوب أوروبا لقمة سائغة لوباء الطاعون.

- سوء التغذية والاعتماد على المنتجات المعلبة والمصنّعة، وكذلك السّكر والضرر الذي يتسبب به للجسم سواء من حيث كونه عاملا رئيسيًا من عوامل السمنة بكل ما يترتب عليها من مصائب، أو من خلال ما أثبتته التجربة، ومنها تجربة فيروس كورونا- أن نسبة السّكر المرتفعة توفّر بيئة خصبة لتكاثر الفيروسات. ولمناسبة الحديث عن جائحة "الانفلونزا الاسبانية" التي اجتاحت أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى وأودت بحياة عشرات الملايين من سكانها، لا بد من التذكير أن هذه الجائحة قد حدثت في أوروبا المنهكة نتيجة للمجاعات والأمراض التي رافقت الحرب، ونتيجة لاعتماد ملايين الجنود والمدنيين على المعلبات كمصدر وحيد للغذاء.

- النقيض للتأثير السّلبي للسكر في الجسم هو "الكيتونات" بما تمثله من عوامل مضادة للأكسدة، ولا توجد طريقة لزيادة نسبة هذه "الكيتونات" أفضل من الصيام الكامل عن كل شيء باستثناء الماء، ولفترات متتالية لا تقل عن 24 ساعة، وهي طريقة كفيلة بالتخلص من الكثير من الكائنات الدقيقة داخل الجسم وإعادة الإعتبار والحيوية إلى جهاز المناعة، إضافة إلى انتاج زيادة الخلايا الجذعية، وهذا كله يؤدي إلى تقوية جهاز المناعة سواء ضد الأعداء الخارجيين (الكائنات المُعدية) أو الداخليّين (السرطان بأنواعه).

بالعودة إلى الخطر الذي تشكله السمنة: يتسبب فيروس الانفلونزا بموت ما يتراوح بين 350 ألف و500 ألف إنسان سنويًا في العالم كله، لكن عدد الوفيات بسبب الانفلونزا في أميركا وحدها يصل إلى 10؟ من العدد الإجمالي، وهي نسبة تفوق ما يمثله عدد سكان أميركا بين سكان العالم (5؟). ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى نظام التغذية المعتمد على الوجبات السريعة وإلى السُّمنة المفرطة وما ينتج عنها من خلل يصيب جهاز المناعة.

تدرك الحكومات في الدول الغربية طبيعة التركيبة السكّانية لمجتمعاتها التي تعاني من الشيخوخة بكل ما يرافقها من أمراض ومن نقص في المناعة، وهي مجتمعات تعاني كذلك من تفاقم السُّمنة ومن الاعتماد على أنظمة غذائية تؤدي إلى تدهور المناعة وتسّهل تعرض الأفراد والمجتمعات لخطر انتشار الأوبئة. ولعلّ هذا الإدراك هو ما يجعل المسؤولين في أوروبا وأميركا يبالغون في توقّعاتهم من العدد المتوقّع لضحايا جائحة "كورونا" ويجعلون من المبالغة مبررًا يسوقونه لإقناع الجمهور بجدوى خطواتهم الاحترازية لمنع انتشار الفيروس. لقد تعلمت هذه الحكومات من خلال تجربتها مع ما تسميه "مكافحة الإرهاب" أن بإمكانها إجبار شعوبها على القبول بأشد الإجراءات قسوة بشرط أن تلجأ إلى التهويل والتخويف والمبالغة في حجم الخطر المتوقّع.

*المناعةُ كنز لا يفنى.. بشرط أن نحافظ عليها من التخريب، وهذا يشمل مناعة الأفراد والمجتمعات ضد الأمراض، ومناعة العقل ضد الأخبار الزّائفة والشائعات ونظريّة المؤامرة.

د.خليل نزال/ اخصائي أمراض معدية