كانت انتخابات الكنيست الـ23 مطلع مارس الحالي (2020) محطة مهمة في سيرورة القائمة المشتركة، من خلال تعزيز ثقلها في الكنيست بحصولها على خمسة عشر مقعدًا، وتكريسها بجدارة موقعها كقوة ثالثة وأساسية في الكنيست. وكان ذلك بمثابة رد واضح وصريح على عمليات التحريض والعنصرية الكريهة، التي قادها نتنياهو وبينيت وليبرمان وحتى تكتل "كاحول لافان"، وعلى صفقة القرن الترامبية المشؤومة. والفضل الأول والأخير للجماهير الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والساحل، التي سجلت التفافًا واسعًا، وغير مسبوق فاق الـ90% من التصويت، ليس هذا فحسب، بل إنها (الجماهير) حجبت الأصوات عن الكتل والقوائم الصهيونية بِشكلٍ ملفت، وحاصرتها بنسب لا تتجاوز الـ2% في أحسن التقديرات، كما وأكدت على انحيازها إلى ذاتها، وإلى ممثليها، وحاملي همومها وقضاياها، ولشعبها الفلسطيني وأهدافه الوطنية في كل مكان، وللسلام والمساواة.

كما أن هناك مؤشرين هامين حملتهما الانتخابات الأخيرة لصالح المشتركة، الأول زيادة نسبة التصويت بشكل ملحوظ تجاوز الـ50% في العديد من البلدات والقرى الفلسطينية، التي يقطنها بنو معروف (اتباع المذهب الدرزي)، وهذا مؤشر هام على التحول النسبي في أوساط المعروفيين لصالح انتمائهم الوطني والقومي؛ الثاني ارتفاع نسبة التصويت بين أنصار السلام الإسرائيليين لصالح القائمة المشتركة، وهذا يعكس اتساع دائرة الشرائح المؤمنة بالشراكة الفلسطينية الإسرائيلية لمواجهة اليمين المتطرف الإسرائيلي بكل اجنحته، وايضا الرغبة في وأد وتصفية قانون "اساس القومية للدولة اليهودية" العنصري، وكذلك دعم عملية السلام القائمة على اساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967.

وهذا ما أكده يوفال شالوم ديسكين، رئيس "الشاباك" الأسبق (2005/2011) في مقالة له في "يديعوت أحرونوت" في 11/3/2020 بِعنوان " على من تطلق لقب خائن"، الذي جاء فيه: "أريد ان تكون دولتنا ذات أغلبية يهودية واضحة. ولكن ليس أقل من ذلك، أريد دولة تمنح الحقوق المدنية الكاملة لجميع مواطنيها، دون استثناء". وأضاف "لجميع مواطنيها" لا تعني فقط لمواطنيها اليهود، ولكن ايضا لمواطنيها المسلمين والمسيحيين والدروز والشركس والبهائيين والملحدين. للجميع. المواطن هو مواطن. لهذا عارضت قانون القومية بشدة، قانون شعبوي مخجل وغبي يقوض رؤية الدولة في ميثاق الاستقلال." وتابع للمواطنين العرب في إسرائيل، الحق في التمثيل في الكنيست (...) إنهم شركاء شرعيون للائتلاف والمعارضة، داعمون من الداخل أو الخارج. (...) إنها ذات القائمة (المشتركة)، التي يتعاون معها بيبي من وقت لآخر. على سبيل المثال، عندما كان يتعين حل الكنيست في الآونة الأخيرة، أو في 1995، عندما حاولت الأحزاب العربية الإطاحة بحكومة اليسار في تصويت حجب الثقة. هكذا يجب أن تكون. القائمة شريك شرعي. ولكن ليس لبيبي وحده." وهناك أصوات إسرائيلية وازنة في المجتمع الإسرائيلي تدرك هذه الحقيقة. لأن أيّا من النخب الصهيونية لا يمكنه القفز عن مكانة القائمة وقرابة المليوني فلسطيني بالإضافة لأنصار السلام من الإسرائيليين.

ورغم الثقل الهام لوزن القائمة المشتركة في الكنسيت الجديد، إلا إن نتنياهو وأقرانه أغمضوا العين عن الحقائق، لأنها تتناقض مع مصالحهم، وحاولوا تهميش مكانتها من خلال تكثيف عمليات التحريض عليها، وعملوا، ومازالوا يعملون على عزلها، وإبعادها عن أي دور مقرر في الحياة السياسية الإسرائيلية، والحؤول دون إمكانية إتكاء تكتل غانتس عليها في تشكيل الحكومة القادمة. وقد استفاد زعيم ائتلاف اليمين المتطرف من تساوق الجنرال حديث العهد في السياسة مع خطابه العنصري، مما دفع رئيس القائمة أيمن عودة للإعلان عن رفض المشتركة بالتوصية امام الرئيس الإسرائيلي لصالح زعيم "ازرق ابيض"، إلا إذا قبل بشروطها المحلية والوطنية. كما ورفض إجراء أيّة حوارات معه إلا كفريق واحد تمثله القوى الأربع المكونة لها: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية الجنوبية وحركة التغيير. الأمر الذي دعا غانتس وأقرانه في التكتل على قبول التفاوض مع أركان القائمة ككل، مع إنه حصر اتصاله المباشر مع كل من أيمن عودة، وعباس منصور وأحمد الطيبي دون رئيس التجمع، إمطانوس شحادة.

وتم الاتفاق بين زعيمي "كاحول لافان" و"إسرائيل بيتينو" على تشكيل حكومة أقلية بدعم من القائمة المشتركة دون تسميتها. وهذا السيناريو مازال قائمًا، رغم التداول بين القوى الصهيونية على تشكيل حكومة طوارئ، مدعومة من القوى والتكل كلها بما في ذلك المشتركة. لأنه لا يمكن أن تكون هناك حكومة إسرائيلية جديدة في ظل الاستقطاب الحاد بين التكتلين المركزيين في الساحة الإسرائيلية، تكتل اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو، الذي لم يتجاوز الـ58 مقعدًا، وفي أحسن الأحوال 59، وتكتل ما يسمى يمين الوسط لا يتخطى الـ46 مقعدا مع انحياز ابيكاسيس لصالح نتنياهو. الأمر الذي يعني الحاجة الماسة للقائمة المشتركة في كل السيناريوهات المطروحة.