بدون شك، فإن صعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2016، شكل ظاهرة مفاجئة حتى في أميركا نفسها، فقد امتطى أحصنة كثيرة لها حضور وجذور في أميركا، خاصة لجهة العنصرية المقيتة والادعاء بتفوق البيض، وأعضاء حركة المسيحية اليهودية الافنجليكان، وتجذر الخرافات اليهودية الشديدة في المجتمع الأميركي، وهذه الأحصنة التي تعود جذورها إلى أعتى مراحل الاستعمار، قد وجدت لها حيزا كافيا لتلعب دورها في السياسية الأميركية تجاه العالم، ابتداء من إنشاء أميركا نفسها إلى يومنا هذا.

 

وبالنسبة لشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة، فإن انحياز أميركا لصالح الرواية الإسرائيلية كان دائما موجودا بقوة، حتى أن كبار الكتاب الأميركيين اعترفوا بذلك.

 

وبعضا من يهود أميركا، لكن ما جعل ترامب حالة خاصة شديدة الخطر على قضيتنا، هو أنه شخص لا يملك ذاكرة خاصة به، ولا يملك أي إرث ثقافي يعتد به، بل هو جاهز لغزو عقله من قبل من هم مهيأون لذلك، ولأنه من أبرز سماته الكذب، وتصديق أكاذيبه، والتعصب لها حتى أنه طرد من إدارته كل من عارضه ولو بكلمة أو فكرة، واستبدل كل شخص له رأي وبصمات بآخر مسحوق الشخصية يهز رأسه فقط، وأبرزهم كبير مستشاريه، هذا الطفل المدلل جاريد كوشنر زوج ابنته الذي كلف بصياغة صفقة القرن أو صفقة الغباء المطلق والعدوان الغاشم على قضيتنا ونكران كل مفرداتها، فهو أنكر الاحتلال الإسرائيلي، وأنكر قضية اللاجئين، وشن حربا على المنظمتين اللتين انشأتهما الأمم المتحدة وهما "الأونروا"، وأغلق مكتب "سفارة فلسطين في واشنطن"، وتصرف بالقدس كأنها من بعض أملاكه الشخصية وأعلنها عاصمة موحدة لإسرائيل، وقطع المساعدات للسلطة، والمساعدات لمستشفيات القدس، وتغزل بنتنياهو كأن العلاقة بينهما أكثر من علاقة سياسية، كل ذلك قبل أن يعلن عن صفقته التافهة، وثبث أنه لا يعرف شعبنا عن عمق هذا الشعب الفلسطيني، وقوة الوعي والحق والثقافة والتجربة التي تتمسك وتتميز بها القيادة الفلسطينية، ومع أن هذه القيادة أعلنت رفضها للصفقة المجنونة من أول لحظة للحديث عنها، إلا أن ترامب تشبث بها كأنها تحديه الأول والأخير، بل إنه بالغ في المدائح لجاريد كوشنر زوج ابنته ووصفه في إحدى المرات برجل القانون والبارع، وقال عنه إن ما لا ينجح فيه كوشنر لا يمكن أن ينجح فيه أحد آخر، واحتقر النظام السياسي في اسرائيل، والقضاء في اسرائيل متواطئا مع نتنياهو ضد اسرائيل نفسها.

 

طبعا هذه الخيول التي امتطاها ترامب ليحقق كل أهدافه بما فيها الافلات من محاكمة العزل والطرد من البيت الابيض، أضيف لها بعض الشواذ العرب وآخرهم عبد الفتاح البرهان في السودان، لكن القضية أعمق كونها تخص شعبا عظيما في نضاله، وهو شعبنا، وأمة لها تراثها الكبير وهي الأمة العربية والاسلامية، وقوى كبرى في العالم هي شريكة في إدارة هذا العالم، تجاهلها ترامب، وأعلن صفقته الغبية الساقطة، وسوف يرى بعينيه اليوم الثلاثاء في رام الله أن صفقتة مرفوضة بالمطلق وأن الطريق أمامها مغلق نهائيا.

 

طبعا أميركا الدولة الكبرى التي على رأسها ترامب، فقدت مكانتها لأن الشعب الفلسطيني لا يريدها وسيطا، ولأن العالم يقول للشعب الأميركي هذا الرجل ترامب لا يملك العقل فلا تدعوه يدمر العالم بجنونه المطلق، والفرص لمواجهته لم تنته بل هو في أول الطريق، ولعل اليوم الذي يرتفع فيه شعار "سلامة أميركا في سقوط ترامب" سيرتفع في أميركا قويا وقريبا، يا دونالد ترامب لا تستصغر الشعب الفلسطيني، ولا تستهن بالقيادة الفلسطينية فهما أعلى ألف مرة من ثرثرات طفلك المدلل جاريد كوشنر الذي سيتجرع صفعات الشعب الفلسطيني على وجهه ليستفيق من وهمه ويوقف التهديدات الجبانة.