تراهن منظومة الاحتلال الاسرائيلي على عدم قدرة جماهير شعبنا على التعايش مع وضع معيشي منخفض ماديا واقتصاديا، خاصة أن سلطات الاحتلال حرصت وعملت وفق خطط على ربط نمونا الاقتصادي ورفاهيتنا بها إلى حد يصبح مجرد تفكير الفلسطيني المواطن والمسؤول على حد سواء بالتحرر منها أمرا مستحيلاً، حتى ذهب في اعتقاد المحتل الذي خطط ورسخ هذا المنهج أن الفلسطينيين قد استبدلوا الحرية برغيف خبز على طبق الرفاهية.

 

ستشدد حكومة منظومة الاحتلال حصارها الاقتصادي علينا، بالتوازي مع توسيع دائرة حملاتها الاستعمارية الاستيطانية للسيطرة على ما تبقى من أرضنا التاريخية والطبيعية، لكننا بالمقابل نمتلك سلاح الصبر والصمود والتضحية برفاهية العيش وإعادة رسم منهجنا في الاستهلاك على المستويين الفردي والجمعي، وتقنين احتياجاتنا الأساسية والتقشف وترشيد الاستهلاك وضبطه فعليا إلى الحد الأدنى الكافل والضامن لديمومة مقومات الصمود، وقد تشكل اجراءات الحكومة لتجسيد هذه الرؤية مثالا حيا للجماهير تتبعه بكل قناعة ومسؤولية.

 

الآن وفي هذه اللحظات المصيرية وجب علينا تحويل هذا الاعتقاد لدى منظومة الاحتلال إلى وهم وسراب، ودفعهم إلى إعادة حساباتهم معنا، ونسف أفكارهم المخزنة في أذهانهم عنا، حتى يقتنعوا بأن لا جدوى من الحلول الاقتصادية كبديل عن الحلول السياسية التي وافقنا عليها كسبيل لاسترجاع حقوقنا.

 

قررت حكومتنا التحرر من قيود مافيا لحوم العجول الاسرائيلية، ومنتجات المستوطنات، وحظرت منتجات اسرائيلية محددة فقابلتها سلطات الاحتلال بقرارات منع استيراد الخضار والفواكه من فلاحنا الفلسطيني، وزادت عليها بجريمة منع تصديرها، ما يعني أن عملية إخضاعنا عبر إفقار فلاحنا، وكسر ظهر اقتصادنا الوطني، قد دخلت المرحلة قبل النهائية من خطة الاحتلال، التي يتجلى هدفها النهائي في إسقاطنا بمستنقع اليأس والإحباط، ثم يزيد ضغوطه علينا لإجبارنا على ترك أرضنا وهجرها، فيستولي عليها.

 

لا مجال للتردد، فنحن أمام مفترقين: الأول يؤدي للحرية والاستقلال، لكنه صعب، ويستلزم الحكمة والتخطيط والتنظيم والانضباط، وتقمص شخصية القائد، والعطاء بلا حدود، والاستعداد للتضحية المحسوبة بمعيار الأهداف، ما تحقق منها والمطلوب لتحقيق التالي منها. أما السبيل الآخر فهو ارتضاء رفاهية وبحبوحة عيش في ظل الاحتلال الاستعماري العنصري وتفضيلهما على الكرامة الانسانية المتأصلة فينا، ونزوع إنسانيتنا نحو الحرية والكرامة والاستقلال والسيادة.

 

الطريق الأول بلا نهاية، حيث نهيئ محطات المستقبل لأجيالنا ونسلمهم آفاقا مفتوحة بلا حدود لإثبات جدارتهم في حقهم بوطن آمن، يعيشون فيه بسلام، يعملون على رفع مؤشرات نموه وتقدمه وتجسيد ديمقراطية حضارية يحتذى بها.

 

الطريق الآخر سهل، مزين، ويبدو كأنه في ذروة الأمان، تتوفر فيه ما تحتاجه النفس من رغبات وشهوات ومكاسب معنوية ومادية، وكذلك سلطات ذكورية، لو شاء المرء، واجتماعية وسياسية مدجنة أيضا!! أقصر طريق عرفته مقاييس الانسانية، وأسرع مما نتصور في عالم حسابات السرعة، تتبخر تلقائيا شخصية الفرد والمجتمع والشعب، فيبقى مجرد كائن حي بلا هوية، يعتبر متخلفا جدا بالقياس مع عالم الحيوان، ذلك أن كل المخلوقات في عالم الحيوان ابتداء من المفترسة التي تعيش في نمط عائلات، وتلك الماشية التي تعيش في نظام قطيع، والطيور المقيمة والمهاجرة التي تعيش في نظام اسراب، أو تلك التي تسبح في البحار والأنهار فرادى وجماعات أو بالملايين ، فإنها لا تحيا إلا في اوطان خاصة معلومة حدودها وبيئتها وثرواتها، فحتى لو هاجرت، فإن مرجعها الى وطنها حتمي، حيث لا حياة ولا ديمومة إلا في أوطانها الموروثة مذ خلقت على الأرض.

 

سنكون عند حسن ظن خالقنا بنا، سنكون نعم الوريث لهذه الجنة (فلسطين)، ولن نرتكب معصية أو خطيئة تخرجنا منها، فنحن بدونها بلا اسم ولا معنى ولا هوية.