الميدان أمام كل فلسطيني يريد اثبات انتمائه للوطن، فهناك تتجسد الشعارات والمقولات والمواقف عمليا، ومن يعتقد أن اللحظة التاريخية تتطلب فعلا يناسب حجمها بإمكانه التقدم بصمت واختيار موقعه المناسب، ولا بأس إن شهدنا بروز قيادات ميدانية شابة جديدة وربما اصحاب تجارب ايضا، فالديمقراطية ليست هي حركة التحرر الوطنية وليست محصورة في السباق ضمن مسارب الانتخابات والتداول السلمي على السلطة وحرية الرأي والتعبير وحسب، بل في خوض منافسات حقيقية تحت شروط الاخلاص للوطن ومصداقية الشعار والتطبيق والانضباط لقواعد ومحددات برنامج الصراع الأساسي مع الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العنصري الاسرائيلي.

نحتاج لإعادة تأكيد المعنى الحقيقي للوحدة الوطنية، وهي انها عقيدة فكرية سياسية موازية للعقيدة الروحية أو الفلسفة التي يؤمن بها الفلسطيني، لا يمكن التقدم نحو محطة الوطن الحر المستقل إلا بالمضي على خطيهما المتوازيين، وهذا يتطلب ايمانا بالهوية الوطنية الفلسطينية، بالتاريخ وانجازات الحاضر والرؤية للمستقبل، الايمان بنظام سياسي واحد وسلطة واحدة وقانون واحد وبرنامج وطني كفاحي واحد للبناء والتحرير، وكذلك تجسيم المواطنة بحقوقها وواجباتها بمعيار ميزان العدل والمساواة.

ليست الوحدة الوطنية خيارا تكتيكيا، ولا امر يستحضر عند الضرورة، ولا مركبة لبلوغ مقصد أو تحقيق هدف محدد، ولا خطابات انفعالية تدغدغ عواطف الجماهير، إنها عقل انساني خالص ينسجم فيه الفردي مع الجمعي، كشرط أساس لتمكين الرأس (القائد) من قيادة الجسد الوطني وضبط حركته بأحسن قدرة وفعالية.

ليس منطقيا ولا علميا ولن يكون عمليا استغلال عقيدة الوحدة الوطنية لفرض سيطرة ما على جزء من الجسد الفلسطيني الواحد، حينها سيكون حراكنا انفعاليا عبثيا بلا طائل، تدفعنا المصالح الفئوية والحزبية فنتحرك بلا توازن، فنقع مباشرة في حقول الغام الاحتلال (العدو) المحيطة بنا، وفي هذه المرة لن ننجو، فالجغرافيا السياسية من حولنا تغيرت تماما، وبات الاحتلال يمتلك قواعد خلفية تمكنه من تطويقنا مالم نضبط حركتنا ووجهتنا، وأهدافنا، ونقيم كل خطوة وفق قواعد التقييم العلمية، فنحن لدينا من التجارب الفاشلة في الماضي ما يكفي لاستخلاص الدروس والعبر.

ليس عقلانيا وليس وطنيا التفريط بأي انجاز حققناه على أرض الوطن، ولا بأي انجاز حققناه في المحافل الدولية لصالح الوطن، فنحن سنبقى متكئين على الشرعية الدولية مادامت متوازنة ولا تميل علينا، ويجب ان نبقى في حرص شديد على أي علاقة اقمناها مع دولة او حزب او قوة نشيطة أو فرد في هذا العالم، وسنبقى ملتزمين بأي تعهد والتزام قدمناه للعالم مادمنا نسمع صداه ونلمس ايجابياته، فالحقيقة قائمة في ضمائر الشعوب حتى لو حاولت نظم حكم غلبت مصالحها على حساب مصالح الشعوب تكبيلها وتعمية ابصارها عن قضايا الحق في العالم.

المؤمن بالوحدة الوطنية حقا يفكر مليا بمصالح الشعب الفلسطيني العليا وينزهها عن مصالح حزبه او جماعته او حتى مصالحه الرغبوية السلطوية الشخصية، وتراه مستعدا للتضحية بنفسه لحماية الشعب ولضمان استقراره وصموده وقدرته على المواجهة حتى تحقيق اهدافه.

ليست هذه الجولة من الصراع اصعب من سابقاتها، ولن تكون كذلك اذا احسنا قراءة الواقع، وأحسنا تنظيم قوانا الشعبية والرسمية وأعددناها جيدا، ووزعنا الأدوار والمهمات بدقة، ونفذناها بروح المسؤولية الوطنية، فشعبنا يمتلك من تجارب الكفاح ما يمكنه من ابداع احسن وسائل وأدوات المقاومة الشعبية السلمية، فهذه اللحظة التاريخية لا تحتمل اكثر من تجسيم قسم الاخلاص لفلسطين بأعظم صورة للوفاء ونكران الذات.