أردتُ ان اذكر القارئ بالمحطات الرئيسية لتنفيذ المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين. النظام الدولي الذي أفرزته الحرب العالمية الاولى عام 1917 انكب على تقاسم تركة الدولة العثمانية فيما بين الدول المنتصرة في الحرب، في سياق هذا التقاسم تقرر مصير فلسطين بأن تكون من حصة الحركة الصهيونية أي لليهود، وبموجب هذا القرار اصدرت بريطانيا العظمى وعد بلفور في 2 تشرين الثاتي/ نوفمبر 1917.

لم تنتظر الدول الاستعمارية وبدأت فورا بتنفيذ الوعد، الذي تبنته عصبة الأمم وأوكلت مهمة التنفيذ لبريطانيا وضمنت ذلك في صك الانتداب عام 1921، فالصك هو بمثابة التشريع الدولي لاقامة الوطن اليهودي في فلسطين.

ومع الأسف كان هناك تفهم للمشروع من بعض الحكام العرب، ضمن منطق المقايضة، خذوا أجزاء من فلسطين مقابل اقامة الدولة العربية في المشرق العربي. وعد بلفور حدد حقوق السكان المحليين أي الشعب الفلسطيني، الذي تعامل معهم كطوائف، بان لهم حقوقا مدنية ودينية، اذ نزع الوعد عن الفلسطينيين صفة الشعب وبالتالي نفى حقهم بتقرير المصير.

تدحرجت الأمور في فلسطين والعالم الى ان وصلنا الى الحرب العالمية الثانية وبروز نظام دولي جديد كان في طليعة أهدافه اقامة دولة اسرائيل، ونقل اليهود الذين شردتهم الحرب في اوروبا، الى فلسطين- دولة إسرائيل التي اقيمت للتو-.

بن غوريون، اول رئيس وزراء لاسرائيل وما ان صدر قرار التقسيم، تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية، كان يعلم انه من المستحيل ان يقبل به الفلسطينيون، وبدأ فورا في تنفيذ سياسة التطهير العرقي وطرد المواطنين الفلسطينيين من المناطق التي أعطيت لليهود. كما وضع الخطط للتمدد على حساب الدولة العربية، بن غوريون لم ينتظر اقامة الدولة بل باشر في عملية التطهير فورا.

بعد حرب 1967، واحتلال اسرائيل لما تبقى من فلسطين (الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية) سارع وزير الخارجية الإسرائيلية ايغال ألون، في شهر تموز/ يوليو، بطرح استراتيجية اسرائيل لأي حل اقليمي، الذي بات يعرف بمشروع ألون. أهداف المشروع، الذي يمكن تلخيصها بجملة واحدة "أرض أكثر وسكان أقل"، الاهداف الرئيسية للمشروع ضم منطقة الأغوار ووضعها تحت "السيادة" الإسرائيلية بخطة الحدود الآمنة الشرقية. ضم القدس وضواحيها وابقاء المساحات الخالية من السكان تحت "السيادة" الاسرائيلية، أما السكان أو المناطق ذات الكثافة السكانية فتعود للأردن ويكون هناك ممر يربط بين هذه التجمعات والأردن.

إسرائيل بدأت في حينه فورا بالتنفيذ، ضمت القدس وبنت المستوطنات الى ان وصلنا الى "صفقة القرن" التي هي تتويج والحلقة الأخيرة من وجهة نظر أصحاب المشروع، لذلك شهدنا الاحتفالية، والمشهد الاحتفالي الذي صممه ترامب ونتنياهو.

أنا استغرب ممن تفاجأوا خصوصا بهذا الموقف العربي وحتى الدولي الذي كان يتراوح بين التأييد والتأييد الخجول أو الرفض الخجول. الشعب الفلسطيني وخصوصا بثورة عام 1965 وتأسيس المنظمة كان يحاول لَيَّ ذراع الهزيمة التي لحقت بالأمة العربية منذ الحرب العالمية الأولى. كنا نحاول لي ذراع سلسلة الهزائم اللاحقة، حرب عام 1948، وهزيمة 1967، بالرغم من كل ذلك فإن الشعب الفلسطيني لم ييأس، فلديه مخزون من حب الوطن ولديه جذور عميقة بالأرض والتاريخ ما يجعله أصلب من الفولاذ. نحن لسنا عناوين لخوض الصراع، ولكن الصراع مفروض علينا فرض، ولن نستكين؛ لأن فلسطين تستحق ولا وطن لنا غيرها.