يأتي أبو ماهر يوسف الخطيب منذ سنوات عديدة، في السّاعة السّادسة الا الرّبع صباحًا بالضّبط، فهو يحترم الوقت مثل شعبنا العربيّ، لا يتقدّم دقيقة ولا يتأخّر دقيقة، ونمشي معًا بين الأشجار وبين الأزهار صيفًا وشتاءً، وربيعًا وخريفًا، ولا يُغرينا دفء الفراش أو كسل الشّيخوخة، ولا يُثنينا حرٌّ أو قرٌّ، ونُقاوم وقاحة الرّياح الشّرقيّة وما تحمله من غبار وجفاف وأذى في العينين.

لو فتّشتُ بسراجٍ وفتيلة عن زميلٍ لمشوار الصّباح لما وجدتُ أفضل منه مع أن أهل بلدتنا جميعهم خير وبركة.

هو رجلُ سبعينيّ يكاد يُجايلني إذا اعتبرنا أبناء السّبعين رزمةً واحدةً. لا يعرف لسانه الكذب ولو على سبيل المزاح. ولا يُنافق ولا يُرائي ولا يدّعي بأنّه مطّلع على كلّ شيء كما يزعم كثيرٌ من النّاس الذين يحشرون أنوفهم في العلم والسّياسية والاقتصاد على الرّغم من أنّ معرفتهم بها لا تزيد عن معرفتي باللغة الصّينيّة.

نسيرُ معًا ونغذّ الخطى فنحرق السّكر والدهون، ونُنشّط الدّورة الدّمويّة وّنقوّي عضلاتنا المترهّلة، ونستنشقُ الهواء النّقيّ الذي تضوّع فيه أريج الزّهر وعبير الليمون.

وأبتعد عن نشرات الأخبار المرهقة من اعدام الجيش الإسرائيليّ للشّبّان الفلسطينيين يوميّا بدون مساءلة، الى القتيل بعد التّسعين بأيدينا في مدننا وبلداتنا، الى عدد ضحايانا في ذي قار وأدلب والحُديدة وطرابلس، الى رقصة السّيوف مع الأهوج ترامب، الى الذين يموتون غرقًا في البحار بحثًا عن رغيف الخبز ونسمة الحرّيّة.

أبو ماهر لا يُناقشني بما يجري في اليمن والجزائر وليبيا والعراق وسوريا، ولا بما يجري في غزة ورام الله، ولا يهمّه من يُسجّل هدفًا في الكلاسيكو، ولا يتعصّب لميسي أو بنزيما.

همومه محصورةٌ في موضوعين اثنين أوّلهما أن يسقط المطر ويروي الحقول والكروم ويعمّ الخير على الجميع، والله كريم وما عنده سوف يصل الينا، وثانيهما أن يطير نتنياهو فيرتاح العرب منه ويرتاح اليهود أيضّا.

ما اختلفت معه الّا في موضوعٍ واحد، فما أن يشاهد كلبًا في طريقنا، والكلاب السّائبة كثيرة، حتى يُهرول ويتناول حجرًا ويرجمه، وقلّما يصيبه.

حاولت كثيرًا أن أقنعه بالرّفق بالحيوان معتمدًا على الحديث النّبويّ وعلى القصص التّراثيّة والمواقف الإنسانيّة الا أنّه بقي مصرًّا على كراهيّته للكلاب.

ذات مرّة كنت أقول له: أنا لا أكره كلبًا حتى اعترض طريقي ونبح نُباحًا عاليًا، ولو تعدّى حدوده وحاول أن يعضّني، بل أنا أشفق عليه وأرثي له، لأنّ هذه الكلاب السّائبة مسكينة، ولا أوافق الشّاعر العربيّ القديم الذي قال:

لو كلّ كلب عوى ألقمته حجرًا لأصبح الصّخر مثقالًا بدينار.

وحبذا لو قال: لو كلّ كلب نبح ألقمته كسرة خبز أو قطعة لحم!

وفيما أنا أتكلّم وأسترسل تركني، سامحه الله، وهرول الى الرّصيف وتناول حجرًا صغيرًا.