سترات برتقالية، سترات صفراء أو سترات سوداء، كل هذه الألوان لا تعنينا إلا بقدر محدود، فوحدها سترات شباب مخيّم شعفاط الذهبية في القدس تستحق منا الاهتمام والدعم بلا حدود.
قبضة تحطم حقنة مخدرات قد تكون الصورة الأنسب في هذه اللحظات التاريخية من الصراع مع منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري الاسرائيلي، بالتوازي مع صورة اليد القابضة على الحجر في مواجهة جنود الاحتلال لحماية المقدسات في المدينةـ فبدون القبضة التي تحطم حقن المخدرات، والقادرة على الانتصار في معركة الحفاظ على صحة عقل وجسم الفرد والمجتمع الفلسطيني، فإننا سنخسر في نهاية المطاف الإنسان.
اقحمت منظومة الإرهاب في تل ابيب كل صنوف الاسلحة القاتلة ضد الشعب الفلسطيني، ولم تتورع عن استخدام السلاح الأشد فتكا، ليس ضد الشباب وحسب، بل ضد الأطفال، وللعقلاء في هذا العالم تخيل مشهد ترويج مخدرات "نايس جاي" ومعناها "مبسوطون" للأطفال بمبلغ زهيد، حيث ينال الطفل الجرعة مقابل 10 شواقل اسرائيلية بعد اغرائه بجرعة أولى او ثانية مجانية، من هنا تبدأ عملية السيطرة والإخضاع وتحويل الانسان والقضية والقيم والسلوك الى مجرد خيال مريض.
خطير جدا، ونجزم انه خطر قد يرقى الى مرحلة خطر وجود مالم نهرع كلنا بكل ما نملك لحماية أبناء شعبنا في القدس من آفة المخدرات، على رأسها الكيميائية (نايس جاي) ودعم مبادرة كبار رجال المخيم، وشبابه اصحاب السترات الذهبية الذين أقروا ميثاقا قضى بمقاطعة تجار ومروجي المخدرات ورفع الحماية العائلية عنهم، والامتناع عن المشاركة في جنازاتهم حتى مع التأكيد على اولوية دعم مراكز علاج المدمنين بكل الوسائل المتاحة، او بالوسائل الخاصة فسلطات الاحتلال التي تمهد الأرضية لانتشار آفة المخدرات ستضع ألف حاجز أمام وسائل وادوات علاج المدمنين، وهنا سيتجلي الابداع الوطني، فنحن بصدد معركة حقيقية هدفها منع الاحتلال من الوصول الى ادمغة ونفوس وأبدان شبابنا والفتك بهم بسلاح المخدرات بعد عجزه عن الفتك بهم بالقتل والإرهاب وتوسيع بؤر الجريمة... فسلطات الاحتلال الاسرائيلي الأمنية معنية بوجود حقنة المخدرات بيد الطفل والفتى والشاب، كبديل عن الكتاب والقلم، او أدوات العمل، فحقنة المخدرات كفيلة بقتل الروح والنفس، ودفع متعاطيها الى مرحلة العجز وهو في عز الشباب، فيبقى كهيكل عظمي يكسوه لحم آدمي يتحرك، نحو موت وفناء ولكن ببطء.
تنبش قوات الاحتلال الاسرائيلية كل بقعة ومكان في المخيم بحثا عن الشباب المناضلين، لكنها تعمي بصرها عن تجار المخدرات الذين يبيعون سمومهم عند مداخل المدارس في المخيم، وهم يعلمون أن شرطة سلطات الاحتلال تؤمنهم وتحميهم سرا.. ليس هذا وحسب بل انهم يلجأون للاحتماء بحواجز أو دوريات الاحتلال.
تجار المخدرات ادوات الاحتلال لإسقاط شبابنا وفتياننا في براثن اجهزة المخابرات الاسرائيلية، ما يعني انهم اشد خطرا على المجتمع والقيم والقانون من أي جاسوس او عميل تؤدي مهمته الى قتل مواطنين او تعريض المصالح الوطنية للخطر، فهذا التاجر او المروج العميل يستهدف جيلا كاملا بحقناته وجرعاته وسمومه، أي انه يساهم بجريمة إبادة اقل درجاتها ابادة الوعي والذاكرة، وابادة المعنى الحقيقي لحياة الشباب، الذي قد يحوله السقوط في فخ تاجر مخدرات الى اداة طيعة في ايدي اجهزة الاحتلال خوفا من الفضيحة الاجتماعية، او بسبب الادمان الذي يدفعه لعمل أي امر مقابل الحصول على المخدرات.
تجار المخدرات مسلحون ولا يترددون عن اطلاق الرصاص على أي شخص يعترض على جريمتهم، او قد يحاول تنبيههم من خطر افعالهم الشيطانية على المجتمع الفلسطيني، وهذا برهان على حيازتهم تراخيص لحمل الأسلحة تماما كما تمنح للعملاء الكبار.
تجار المخدرات كداء السرطان إن لم نقاومه بالاستئصال والعلاج في مرحلة خليته الأولى فان الزمن سيسبقنا ويأخذ حياة المصاب (المجتمع) بسرعة، حتى وان كنا على يقين بان التحصينات الأخلاقية والقيمية والوطنية والثقافة الروحية مازالت قوية وتتمتع بقدرة عالية على صد خلايا السرطان المميت (تجار المخدرات) وكشف علاقتهم العضوية مع سلطات الاحتلال، لكن الاطمئنان الى جدران الوقاية والحماية هذه لا يكفي، اذ لا بد من نظم القوانين المتشددة لمحاسبة هؤلاء بتهمة الخيانة العظمى، والانكباب على اجراء بحوث ودراسات لمعرفة مكامن الداء وكيفية علاجه، وإطلاق حملة يشارك بها كل مسؤول سياسي تنفيذي تربوي تعليمي ديني اجتماعي، فمنظومة الاحتلال تعمل على تذويب شخصية الأجيال الجديدة من الداخل بعد عجزها عن كسرها من الخارج، فاقوى سلاح ناري في العالم لا يكسر الانسان، لكن المخدرات تكسره وتذله وتخضعه ان تمكنت من دمائه ولو لمرة واحدة.