في إطار الشد والجذب بين الرئيس دونالد ترامب وإدارته من جهة، وبين الكونغرس من جهة أخرى بشأن عملية السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي صوت الكونغرس الأميركي يوم الجمعة الماضي الموافق 6/12/2019 على قرار يدعم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وهو ما يتعارض مع رؤية وتوجهات الرئيس وفريقه الصهيوني والمتصهين.
ورغم أية ملاحظات يمكن تسجيلها على القرار 321 غير الالزامي من قبل النواب الأميركيين والقوى الفلسطينية، إلآ ان القرار يمثل خطوة مهمة وضرورية الآن لاكثر من سبب، منها: أولا- التصويت على القرار كان من اعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولهذا دلالة مهمة، لا يجوز التغافل عنها، أو الاستخفاف بها؛ ثانيا- يأتي صدور القرار بعد اسبوعين من تصريحات وزير خارجية ترامب، بومبيو، الذي شرع فيه الاستيطان الاستعماري في اراضي دولة فلسطين المحتلة، وهو رد مباشر على الوزير المتصهين؛ ثالثا- تنبيه الرئيس الأميركي نفسه لخطر المواقف، التي ينتهجها تجاه عملية السلام، وما ينزلق إليه من مواقف غير مسؤولة، وبعيدة كل البعد عن مرتكزات السياسات الأميركية خلال العقود الأربعة الماضية؛ رابعا- رد مباشر على نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف، ورفض التساوق معه في ضم اي جزء من اراضي الدولة الفلسطينية لا في العاصمة الفلسطينية، القدس، ولا في الأغوار، ولا في غيرها؛ خامسا- تأكيد القرار على أن الاستيطان الاستعماري غير شرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومرفوض، وعدم التساوق مع السياسيات اليمينية الصهيونية المتطرفة؛ سادسا- الربط بين الاستيطان الاستعماري وتهديد مستقبل الدولة الإسرائيلية، وبرر الغالبية من اعضاء الكونغرس تصويتهم بالحرص على الدولة الإسرائيلية؛ سابعا- تنبيه اعضاء الكونغرس إدارة ترامب لاخطار قراراتهم الصبيانية والعدمية على المصالح الحيوية الأميركية في المنطقة.
إذا قرار المشرع الأميركي بقدر ما حمل في طياته التأكيد على التمسك بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ورفض الاستيطان الاستعماري، بقدر ما ربط ذلك بمصلحة إسرائيل الاستعمارية الاستراتيجية، وحمايتها من جنوح وانزلاق قياداتها المتطرفة نحو مآلات غير محمودة تهدد مستقبلها. كما شاء المشرع ترشيد السياسة التنفيذية الأميركية، وإنقاذها من براثن الخطاب الشعبوي المتهافت والانقلابي، وإعادة اعتبار لعملية التوازن بين القرارات الأميركية وقرارات الشرعية الدولية، فضلا عن نواظم ومساقات الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية.
والملفت أن قرار الكونغرس 321 مدعوم ايضا من مجموعات الضغط الصهيونية، التي ترفض سياسات حكومة نتنياهو وائتلافها اليميني المتطرف، لانها تخشى على إسرائيل من ذاتها، أكثر مما تخشاه عليها من الآخرين. وبالتالي دعم القرار من خلف الستار يصب في مصالح الدولة المارقة والخارجة على القانون. كما ان دعم تلك المجموعات الصهيونية يأت كرفض واضح وصريح لسياسات ترامب وإدارته، لان العديد من مجموعات الضغط ترى في سياساته خطرا على إسرائيل ومستقبلها، وليس حبا، أو انطلاقا من فرضية الدعم والتأييد المجاني، بل التأييد المحسوب، والهادف لاستعمال اليهود الصهاينة كأداة وظيفية في خدمة إستراتيجية الرئيس الشعبوي المغرور والمتغطرس، وتاجر العقارات، والمسكون بخزعبلات الأساطير اللاهوتية.
وقرار الكونغرس الجديد يفرض على القيادات الفلسطينية مجتمعة ومنفردة تكثيف العمل في أوساط المشرعين الأميركيين، وعدم قطع الصلة مع أركان الدولة الأميركية العميقة واللوبيات المختلفة وخاصة اليهودية الصهيونية لتوسيع وتعميق المجموعات المؤيدة والداعمة لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، والنشاط المتزايد في اوساط الشعب الأميركي ومكوناته المختلفة لاستقطاب طاقات وكفاءات أميركية جديدة لدعم الشعب العربي الفلسطيني وخيار السلام العادل والممكن.