دخلت الحركة الوطنية الأسيرة أسبوعها الثالث في الإضراب عن الطعام والذي شمل جميع السجون الإسرائيلية، وقد أصرت على الاستمرار في هذا الإضراب حتى تحقيق مطالبها، وكانت إدارة السجون الإسرائيلية قد اتخذت عدة تدابير وسياسات ليلتزم بها الأسرى والمعتقلون انتقاماً منهم وللتضييق عليهم، وشملت هذه السياسات السجن الانفرادي والعزل الانفرادي ومنع الصحف والمجلات عنهم، وكذلك منع التلفزيون الفلسطيني وعددا من القنوات التلفزيونية لعزلهم عن الخارج وعدم التواصل مع ما يجري حولهم، ومنعت المحامين من زيارتهم، كما منعت العلاج والفحوص الطبية اللازمة، ومنعت زيارات الأهل والأقارب للأسرى والمعتقلين، كما منعت مواصلة الأسرى من التعليم الجامعي وكذلك التعليم الثانوي، للسير في سياسة التجهيل، هذا عدا الإجراءات القمعية التي يتعرض لها الأسرى خصوصاً، إذا سمح لهم بالزيارات.

وكان الأسرى قد أصدروا بياناً جاء فيه إنه بعد صمود الأسرى على مدار أكثر من أسبوعين في الإضراب عن الطعام، فإنهم لن يتراجعوا ولن يتنازلوا عن مطالبهم، وهم مصممون على تحقيق مطالبهم كاملة، رغم أن إدارة السجون ومسؤولي الاستخبارات في سجون الاحتلال يحاولون الالتفاف على مطالب الأسرى لفك الإضراب عن الطعام وإفشال مخططهم، وإفشال عملية الإضراب عن الطعام، حيث أصر المضربون على المضيّ في هذا الإضراب وتعرية إسرائيل عالمياً وفي المؤسسات الدولية وزيادة الضغط على إسرائيل لوقف الإجراءات والممارسات العنيفة والوحشية ضد الأسرى والمعتقلين.

ويبلغ عدد الأسرى والمعتقلين حوالي ستة آلاف منهم من باتوا يعرفون بقدامى الأسرى وهم 367 أسيراً ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال، هذا عدا الأطفال والنساء والشيوخ والعديد من المرضى، والمعروف أنه بلغ عدد الأسرى والأسيرات حوالي 800 ألف منذ بداية الاحتلال وحتى الآن، وقد استشهد منهم حوالي 187 أسيراً منذ العام 1967، وكان سبب استشهادهم معارك الإضراب المفتوح والجزئي عن الطعام، أو بسبب الإهمال في العناية الطبية، أو بسبب التعذيب الوحشي أثناء الأسرى، أو بسبب الإعدام الفوري بعد الاعتقال، حيث كان الاحتلال لا يجد وسيلة إلاّ اتبعها في التخلص من المناضلين الأشداء المحافظين على أسرار تنظيماتهم وعدم البوح بها حتى الاستشهاد.

إن هناك عدداً من القادة الوطنيين الذين واكبوا هذه التجربة منذ بداياتها، ولم يثنهم تكرار الاعتقال والتعذيب، وقضاء السنوات الطويلة في السجون عن مواصلة المشوار، ومن هؤلاء القادة المناضل والقائد أحمد سعدات القائد الوطني والحزبي الجاد، الذي تفتح وعيه على الكفاح كواحد من مواليد ما بعد النكبة، ودخل السجن منذ السادسة عشرة من عمره، وأفنى عمره عن طيب خاطر وعن قناعة وطنية وعقائدية تحررية في ظروف متصلة بين الملاحقة والسجن. إن القائد الوطني سعدات لم تثنه سنوات السجن الطويلة كما لم تضعفه الحياة بعدها عن مواصلة المشوار النضالي، فأحمد سعدات متواضع ومنكر لذاته، مرهف الحس، رقيق المشاعر، متفان، دمث الخلق، هادئ وساكن لا يكثر من الكلام، حيث لديه بداهة تغنيه عن الإطناب في الكلام.

أحمد سعدات قضى كثيراً من سنوات عمره بين جدران وقضبان السجون، لكنه يحرص دائماً على أن يكون الفكر متجهاً نحو القضية الكبرى، فهو مفكر ومنظم ومرب في آن واحد، وينشد دائماً نحو الجوهري، يقدم القدوة ويبتعد عن تكرار الموعظة، يبدأ بنفسه أولاً ثم يعطي المثال للآخرين، وبذلك اكتسب احترام الحركة الوطنية، وفرض نفسه بسجاياه وخصاله قائداً في السجون وخارجها، فهو المناضل والقائد صار الكفاح حياته، ودخل إلى معتركه صلب العود، تعود أن يختصر كل الطرق إلى الهدف ولم يتخلف عن المشاركة في خوض معركة مفروضة حين جد الجد ليكون نابض الحركة: رغم قسوة ظروف الحبس الانفرادي وشدة آلام المعدة والعمود الفقري وضغط الدم التي يعاني منها.

إن أحمد سعدات إضافة إلى العديد من قدامى الأسرى ومرضاهم المنخرطين في معركة جوع في مواجهة الركوع في خطر حقيقي، فمعركتهم تحتدم، بينما إدارة السجون الإسرائيلية ومن خلفها حكومة بنيامين نتنياهو تزداد صلفاً تجاه مطالبهم وتضاعف من إجراءات التنكيل بهم وبحقهم، وهذا يفرض على أحرار العالم مضاعفة فعاليات إسنادهم والتضامن معهم، ليس لتلبية مطالبهم فقط، بل أيضاً بهدف الحيلولة دون استشهاد بعضهم في هذه المعركة القاسية والشاقة والتي يخوضونها منذ أكثر من أسبوعين.