لياسر عرفات قوة الحقيقة الوطنية والإنسانية، ببلاغتها التراجيدية، التي لا باطل يأتيها ولا بهتان، مثلما له حقيقة الأسطورة التي صاغها بواقعية الاقتحام الشجاع لساحات المستحيل، وبالمشي واثق الخطى بين حقول الألغام، كما لياسر عرفات قوة الحنو الوطني الجامعة، والمودة الديمقراطية التي أشاعها في غابة البنادق، ولأنه كذلك، وهو كذلك، ولأن له مقام الشهيد، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولهذا سيكون له أبدا قوة الحضور الحيوي، لا في الذاكرة والذكرى فحسب، وإنما في الوعي الجمعي الفلسطيني، بمسند أحاديثه المعرفية، بمختلف تجلياتها اليومية، من حيث هو الدلالة على صواب مسيرة الحرية الفلسطينية، والرمز الذي ما زال يحرض على المضي بها قدما حتى انتصارها، ولأنه صاحب هذا الحضور الحيوي الأخاذ، سيرى كل ذي عقل سليم في منع حركة حماس، إحياء ذكرى رحيله الجسدي المفجع، نوعًا من عمى البصر والبصيرة..!!! والواقع لن يضير الذكرى هذا المنع، فهي كمثل طلعة الشمس، وعلى رأي شاعر العرب الأكبر أبو الطيب المتنبي، في طلعة الشمس ما يغني عن زحل.
المنع الحمساوي إذن، وفِي مجاز الرؤية، كمثل زحل الذي لا مشهد له مع طلعة شمس الذكرى، وهي التي ستظل مشرقة، فلا يرى أحد سواها، ولن يرى سواها، لأنها الشمس التي لا تغيب، بواقع أنها شمس الفكرة والهوية الوطنية، والنضالية والحضارية، لفلسطين وشعبها، التي حملها ياسر عرفات "أبو عمار"، وما زال يحملها بالصلابة والأمانة ذاتها، رفيق دربه من كتيبة التأسيس، الرئيس محمود عباس "أبو مازن"، وحتى يعم نورها باحات دولة فلسطين، ومقامات عاصمتها القدس الشرقية.
لا تخطئ حماس فحسب في منعها إحياء الذكرى الخالدة، بل إنها تطلق النار على قدميها، وهي تقصي نفسها بنفسها عن المشهد الوطني، والغريب أنها تفعل ذلك بوله شديد يصعب تفسيره، فهي بدل أن تستغل إحياء الذكرى لتعطي شيئا من المصداقية، لما تقوله عن جاهزيتها للانتخابات العامة، تفعل العكس تماما، إذ هي تؤكد بهذا المنع جاهزيتها الحقيقية لإغلاق الطرق كلها أمام صندوق الانتخابات..!!!
وهذا هو ياسر عرفات، في تجليات حضوره المعنوي، هو من يكشف الآن، وبصورة بليغة، عن مدى توغل حماس في فكرها الإقصائي، وخوفها المتفاقم من الآخر الوطني، بل وتشبثها بمشروع جماعتها الإخونجية الذين لا يقيمون وزنًا للوطن والوطنية..!!! إنه بهذا الكشف الفكرة الوطنية التي لا تموت، والتي تشع حيوية، وهي تكشف وتدل وتحرض على المضي قدمًا بصواب المسيرة الوطنية، لإنجاز مشروعها التحرري، والفكرة لا تحتاج لصورة على جدار لتدل عليها، فلتمنع حماس إزالة الستار عن صورته، في ساحة الجندي المجهول بغزة، لأن صورته مشرقة في وجدان الناس وفي عقولهم، لا ناس فلسطين فقط، وإنما ناس العرب، والأحرار في كل مكان، هؤلاء الذين عرفوا فلسطين من كوفيته، وقد باتت راية من رايات الحرية.
 ومع الذكرى لم يعد ياسر عرفات هو "الفصل الأطول "في حياتنا الوطنية، وانما بات الفصل المتنامي في طروحاته المستدامة، وهو يتجلى فكرة ورمزًا ودلالة وتاريخًا حيويا، "واسما" بات بليغًا من "أسماء فلسطين".