دولة الاستعمار الإسرائيلية تمضي بخطى حثيثة نحو الانغلاق على الذات، والعودة إلى مربع الجيتو المتزمت، لأنها لم تعد تقوَى على الاستماع للرأي الآخر، وبات الخطاب الشعبوي اليميني والحريديمي المتطرف سيد المشهد. ومع كل يوم تتعمق أزمتها مع انعزاليتها. حتى القضاء يعاني من أزمة أخلاقية وقيمية، ويبتعد عن كونه قضاء مستقلا، وأصبح جزءا من أداة النظام الاستعماري، وارتد إلى منحى ومستنقع التشريع لموبقات الحكومة الأكثر عنصرية في تاريخ الدولة الكولونيالية.
يوم الثلاثاء الماضي أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، قرارا بطرد ممثل منظمة "هيومن رايتس ووتش" عمر شاكر، أميركي الجنسية بذريعة أنه ينشر بوستات، ويكتب تغريدات تتناغم مع حركة المقاطعة الأممية BDS))، لذا رفض قضاة المحكمة نيل هاندل، ونوعام سولبرغ وياعيل فيلنر التماس شاكر ومنظمته، وقرروا أن "لا شائبة تعتور قرار وزير الداخلية، أرييه درعي في عدم تجديد تصريح الإقامة لشاكر". وهو ما يدلل مرة أخرى، على سقوط القضاء في خدمة المشروع الكولونيالي، وجزء من أدواته في محاربة حقوق الإنسان، والمنظمات المحلية والأممية المختصة في هذا الحقل المهم والضروري لحماية الإنسان من سياسات أنظمة التطهير العرقي والعسكرتاريا والاستبداد.
وفي تعقيبه على القرار العنصري المتناقض مع أبسط معايير الديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، قال شاكر، إن القرار سياسي بامتياز، وأنه جزء من حملة ممنهجة لإسكات منظمات حقوق الإنسان عموما، و"منظمة هيومن رايتس ووتش" خصوصا، التي أمست بعد تخندق إدارة ترامب في خنادق حكومة نتنياهو المتطرفة عنوانا للاستهداف، لأن ائتلاف اليمين المتطرف شمر منذ زمن بعيد عن ذراعيه، وسن أسنانه لإسكات كل صوت مخالف، ومتناقض مع المشروع الاستعماري الإسرائيلي.
والقرار كان صدر في شهر نيسان/ أبريل الماضي، ومنذ سبعة أشهر والمنظمة الأممية (الأميركية المنشأ) وممثلها يحاولون ثني حكومة تسيير الأعمال للتراجع عن قرارها، إلا أنهم فشلوا في توجههم، لأن إسرائيل وقيادتها الاستعمارية غير جاهزة، ولا مستعدة، وليس لديها المقدرة على الاستماع للرأي الآخر. وكان مدير عام منظمة "هيومن رايتس ووتش"، كنت روت، قد حذر إسرائيل من طرد شاكر، وأعلن في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" في تموز/ يوليو الماضي، أن "طرد إسرائيل لممثلين فيها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، يجعلها دولة" معادية لحقوق الإنسان، ولا تختلف عن الدول التوليتارية والإثنوقراطية. ولم يشأ روت، أن يعتبرها نموذجا للدولة الأكثر عنصرية وصعودا نحو الفاشية، وهي سابقة في كل نماذج الدول، التي ذكرها في تصريحه.
  لذا تلقي الحكومة وقضاؤها الاستعمالي الوظيفي التهم جزافا على ممثلي منظمات حقوق الإنسان لترحيلهم وطردهم من البلاد بهدف تطويق نفسها بسياج الجيتو الانعزالي، وتنفث سمومها على كل من يساند السلام، ويدافع عن حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وتجير كل فعل ارتباطا بالخلفية السياسية، ومعاداة حقوق الإنسان، ومحاربة التعايش.
هذه السياسة تتطلب من كل الأقطاب الدولية المعنية بحقوق السلام، ومعها منظمات حقوق الإنسان العالمية، ولجنة حقوق الإنسان الأممية، وقبلها منظمات حقوق الإنسان الأميركية التصدي للجريمة الإسرائيلية. واتخاذ قرارات شجاعة تهدف لفرض العقوبات القانونية والسياسية والاقتصادية على إسرائيل، وفضح كل الشركات والمؤسسات، التي تتعاون معها، ومطالبة لجنة حقوق الإنسان الدولية بنشر القائمة السوداء للشركات المتعاونة مع إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، وملاحقتها قانونيا كداعمة ومساهمة في تعزيز دور الإرهاب الإسرائيلي الدولاني. وتشجيع كل إنسان ومؤسسة في هذا البلد أو ذاك الداعمة لحركة المقاطعة الأممية (BDS)، وكل نشاط مؤيد ومساند لكفاح وحرية واستقلال دولة فلسطين المحتلة في الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194.
على العالم أن يكف عن الصمت والمداورة، ومطلوب منه أن يرفع سيف وكرت العقوبات الأحمر في وجه إسرائيل الاستعمارية، إن كانت اقطابه ودوله مؤمنة بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. لم يعد مقبولا ولا مشروعا صمت العالم على موبقات الاستعمار الإسرائيلي.