فلسطين بموقعها الجغرافي ومناخها وتضاريسها وحضاراتها وشعبها المضياف الودود، بلد يستحق السير في ربوعه والتأني في المسير للتأمل في موروثه الطبيعي والثقافي والتعرف على مجتمعه الذي اعتاد رؤية السياح ويسعده دائما الحديث معهم وخدمتهم واستضافتهم.. فمن الناحية الجغرافية تتمتع فلسطين بموقع جغرافي مميَّز على الساحل الشرقي للبحر المتوسط جعلها ملتقى العالم القديم آسيا وأوروبا وأفريقيا. أما مناخ فلسطين فهو معتدل، وتضاريسها متنوعة ما بين مرتفعات وأغوار وسهول، وبالتالي الاختلافات المناخية الداخلية والتنوع النباتي والحيواني. ومن الناحية الدينية فلسطين هي الأراضي المقدسة لكل الديانات السماوية، ومهوى قلوب الملايين من أتباع هذه الديانات والذين تحفزهم مشاعرهم الدينية على زيارة المدن المقدسة والمواقع الدينية في فلسطين وإقامة الشعائر الدينية فيها. وفيما يتعلق بالموروث الثقافي فإن المواقع الأثرية في فلسطين تمتاز بتنوع حضاري مصدره التأثر بالحضارات المجاورة والخضوع لعدة إمبراطوريات.المجتمع الفلسطيني هو مجتمع منفتح عميق التاريخ متنوع الثقافات والأديان، فهو امتداد لسلالة السكان الاصليين اصحاب الحضارة النطوفية التي تعود لما قبل حوالي 12 الف سنة، والتي امتزجت بسلالات من شعوب أخرى من مختلف الأصول والأعراق على مر العصور. فالشعب الفلسطيني هو امتداد للسكان الأصليين في أرض فلسطين التاريخية والذين كانوا وثنيين ثم اعتنقوا الديانات السماوية الثلاث، فهو اليهودي والسامري والمسيحي والمسلم الذي كان يقيم في فلسطين قبل ظهور الحركة الصهيونية.

 

ورغم هذه الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني إلا انه شعب مضياف ودود يحب الحياة، فأينما حلَّ السائح اثناء مشاركته في أحد المسارات السياحية يجد مِن المجتمع المحلي مَن يستقبله ويرحب به ويسارع لخدمته، فيأخذ السائح قسطاً من الراحة ويتناول بعضاً من الأكلات الشعبية الفلسطينية في جو أُسري دافئ.

المسارات السياحية:

يعتبر تنظيم المسارات السياحية في فلسطين نوعا مميزا من أنواع السياحة في بلد سياحي مميز بموروثه الطبيعي والثقافي وبشعبه المضياف والبيئة النظيفة والتضاريس المتنوعة والموروث الثقافي والطبيعي. وفي ظل هذا الثراء الطبيعي والثقافي في فلسطين فقد تم تنظيم العديد من المسارات السياحية التي تتضمن في معظمها زيارة لبعض القرى الفلسطينية للتعرف على المجتمع الفلسطيني والمبيت في المنازل وتناول الأكلات الشعبية الفلسطينية.

 

والحقيقة أن هذا النوع من السياحة ساهم بشكل كبير في دمج المجتمع المحلي بقطاع السياحة من خلال توفير فرص عمل كثيرة وتوسيع دائرة المستفيدين من الاستثمار السياحي في القرى التي تشملها تلك المسارات وإعطاء المرأة الفلسطينية الفرصة للعمل في قطاع السياحة وتحسين دخل الاسرة دون أن تضطر لمغادرة قريتها وترك أطفالها، فهي التي تُعد الطعام للسياح وتنظف وترتب بيوت الضيافة دون أن يكون ذلك على حساب رعاية أطفالها، وبهذا تم دمج عدة أُسر في السياحة المجتمعية وأصبحوا شركاء في تلك المسارات وأصحاب مصلحة خاصة في تنشيط السياحة وفي استمرارها.

 

وقد ظهرت في فلسطين العديد من المؤسسات والجمعيات التي قامت بإعداد المسارات وإدراج نشاطات ترفيهية ورياضية ضمن مساراتها، ومنها مؤسسة مسار ابراهيم (https://masaribrahim.ps/)، ومركز سراج لدراسات الأراضي المقدسة (https://www.sirajcenter.org/index.php/en/)، وجمعية الروزنا (http://rozana.ps/en/?avada_portfolio=sufi-trails) وغيرها الكثير.

خصوصية مهنة الارشاد السياحي في فلسطين

الإرشاد السياحي والمجتمع المحلي:

عادة لا يهتم المجتمع المحلي في جميع أنحاء العالم بصفة عامة بأبعاد المادة الإرشادية التي يتداولها المرشدون السياحيون ولا تشكل تلك المادة موضوع جدل وتحليل، أما في فلسطين فإن المادة الإرشادية ومفهوم مهنية المرشد السياحي الفلسطيني ما زالت محط جدل ونقاش، وذلك بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني المتمثلة بوجود احتلال قائم على ادعاء شرعية تاريخية ودينية. فالاحتلال الاسرائيلي يؤثر تأثيراً مباشراً على جميع نواحي الحياة، وتقع مهنة الإرشاد السياحي عندنا في بؤرة التأثُّر بسياسة الاحتلال الذي كان وما زال سبباً رئيسياً في تعقيد عمل المرشد السياحي الفلسطيني من خلال الواقع الاستثنائي السياسي والجغرافي الذي خَلَقَه فألقى بظلاله الثقيلة على مهنة الإرشاد السياحي وعلى مهنيَّة المرشد السياحي الفلسطيني. فالواقع الاستثنائي السياسي والجغرافي الذي خلقه الاحتلال أثَّر سلباً على مهنة الارشاد السياحي، كما أن الفلسطينيين يرفضون ما قامت به الحركة الصهيونية من تزوير واستغلال للروايات التوراتية بهدف تبرير التوسع الاستيطاني وتشريع وجود الاحتلال.

 

المنافسة والبطالة:

يعاني المرشدون السياحيون الفلسطينيون بمختلف تصنيفاتهم من ظروف اقتصادية صعبة وذلك بسبب الاحتلال الاسرائيلي الذي يُخِلُّ بالاتفاقيات ويتحكم بالتصاريح للمرشدين السياحيين الفلسطينيين المصنفين "عام" والمصنفين "ضفة غربية"، كما يقوم بحرمان من ليس بحوزته تصريح من العمل في القدس الشرقية ومناطق (48)، فنتجت عن ذلك منافسة داخلية وبطالة بين المرشدين الفلسطينيين ومنافسة أخرى غير متكافئة مع المرشد السياحي الاسرائيلي الذي يستطيع التجوال في جميع أراضي فلسطين التاريخية دون الحاجة لتصريح تنقل.

مرشد السياحة المجتمعية:

يُصنف المرشدون السياحيون الفلسطينيون إلى عدة فئات ومن ضمنها مرشد السياحة المجتمعية، حيث يقوم المرشد السياحي بمرافقة المجموعات في المسارات السياحية. علما أن مزاولة هذا النوع من الارشاد السياحي ليست بالأمر السهل لأن مرافقة المجموعات السياحية في مسار بيئي تتطلب معرفة جيدة من طرف المرشد بتفاصيل ذلك المسار من حيث خط السير وأماكن الاستراحة والضيافة والقدرة على التعامل مع أي طارئ مثل تعرض أحد من مجموعته للدغة أو كسر أو أي وعكة صحية مفاجئة وهذا يتطلب ان يكون المرشد قد تلقى تدريبا جيدا على الاسعافات الاولية ولديه خطة اخلاء للمصاب اذا لزم الامر. أما من ناحية المعلومات فمرشد المسارات يُفترض أن يكون لديه إلمام كاف بالحياة البرية من حيث من حيث انواع الطيور والحيوانات والنباتات والصخور وأيضا ما يكفي من المعلومات حول المواقع التاريخية والأثرية التي قد تكون زيارتها ضمن برنامج المسار. بمعنى حاجة مرشدي السياحة المجتمعية لبرامج تدريب خاصة بالسياحة البديلة تتجاوز التأهيل المتعارف عليه للمرشدين السياحيين.

كيفية النهوض بمهنة الإرشاد السياحي في فلسطين:

بصفة عامة يعتبر وجود الاحتلال في فلسطين العقبة الرئيسية أمام حل العديد من المشاكل التي يعاني منها المرشدون السياحيون الفلسطينيون، وهي عقبة أكبر من إمكانيات وزارة السياحة والآثار في معظم جوانبها، فسيطرة الاحتلال على القدس الشرقية وعدم وجود مطار أو حدود تحت السيادة الفلسطينية جعل قطاع السياحة بصفة عامة والإرشاد السياحي بصفة خاصه تحت تأثير مباشر للإجراءات العنصرية سواءً من حيث التحكم بعدد تصاريح المرشدين السياحيين للعمل في القدس الشرقية ومناطق (48) أو من حيث حرمان الفلسطينيين من جذب واستقبال السياح بشكل مباشر دون المرور بمطارات الاحتلال ودون تحكم ورقابة الحدود البرية من طرف سلطات الاحتلال. فالمشاكل التي يعاني منها المرشد السياحي الفلسطيني هي انعكاس مباشر لوجود الاحتلال الاسرائيلي وإجراءاته العنصرية. ورغم ذلك هناك إجراءات في حدود صلاحيات وإمكانيات وزارة السياحة والاثار والتي من شأنها تحسين أوضاع المرشدين السياحيين وتمنع استغلالهم. فوزارة السياحة والآثار تستطيع بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي رفع المؤهل العلمي للمرشدين السياحيين إلى درجة البكالوريوس لأن برنامج الدبلوم لا يَحتمل إضافة لغات أو تزويد طالب الإرشاد بالقراءة العلمية لتاريخ فلسطين القديم أو تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر الذي أفرز الواقع السياسي والاجتماعي والجغرافي الحالي.

وأخيراً لا بد من التأكيد في هذا المقال أنه ورغم الظروف الصعبة والتحديات التي نواجهها إلا أننا ندرك أهمية إعداد وتنظيم المسارات السياحية ودمج المجتمع الفلسطيني وما يترتب عليها من فائدة للجميع. ونحن لم نبلغ بعد ما نطمح إليه ولكننا بكل تأكيد في الطريق الصحيح.

بقلم: د.ضرغام الفارس