تعتبر فكرة الردع فكرة مقبولة في السياسة، وهي الفكرة التي تجعل من الدول في حالة ضبط لخطوات الخصم أو العدو، فالردع بمعنى التلويح بالعصا أي بالفعل المترقب لا القيام به يعتبر سياسة لها ما لها وعليها ما عليها، ولكن الردع بحد ذاته إن لم يرتبط بامتلاك القوة الحقيقية بكافة أبعادها، فإنه يتحول لاستعراض بلا معنى، أو يتحول لمجرد نشر تهديدات لاغراض ليست ردعية.

 

القوة اليوم ليست امتلاك الصواريخ والدبابات فقط، وإنما امتلاك الفضاء الجغرافي والفضائي القادرعلى تنفيذ التهديد، حين انهيار التوازن توازن الردع. فلا قيمة لتهديد تكون نتيجته الفشل أو نتيجته أن عدد الخسائر البشرية أو المادية أو السياسية لا يمكن تعويضها أو لا تضاهي حجم التضحيات.

 

قد يواجهك من يقول أن الثورة أو المقاومة تحتاج لتضحيات، وهذا قطعا صحيح، فلا ثورة بلا تضحيات بكافة أشكالها، ولكن حجم التضحيات هو بمقدار حجم النصر المتحقق أو بما يوازيه، وهذا تقدير هام يجب أن نقوم به دون النظر للمصالح الحزبية الضيقة، فلا نفقد الشهداء بشكل متتالي بنفس الأسلوب المستخدم كل مرة دون أن نحقق أي نتيجة تقربنا ولو مترا باتجاه الهدف.

 

من الهم أن يمتلك الفلسطينيون قوة بمستوياتها المختلفة: القوة المادية والقوة السياسية والقوة الاعلامية، والقوة البشرية وقوة الوحدة الجماهيرية وقوة وحدة الموقف، وقوة فهم ووعي المعسكرات والمتغيرات أي قوة العقل فلا تجتاح الناس العواطف، وندع القادة يلعلعون بالمنابر على وتر العواطف فقط.

 

لا يجب أن يتم إدخال الجماهير في أتون معركة خسائرها أكثر من مرابحها وتضحياتها أكبر من نقاط فوزها، ولا يجب أن نحشد الجماهير على الهدف الصحيح ولكن بأساليب لم تعد كافية أو لم تعد ناجحة بالتجربة، فكيف سنتعلم إن لم نراجع وننتقد ذاتنا ونعتبر؟

 

بالطبع يجب ألا يفهم أن هذا القول يعني رفض الكفاح أو المقاومة بأي من اشكالها، بل على العكس فهي من حق الشعوب، وحق شعبنا الفلسطيني أصيل، ولكن اختيار نمط النضال هو رهين بمجموعة عوامل لا ترتبط فقط بالعامل الذاتي، والزمن، بل وبالعامل الاقليمي والعامل الدولي وأيضا بمستوى القوة بكل أبعادها التي ذكرناها إضافة لحجم التحشيد والتعبئة المطلوبة للجماهير والتي لن تكون بالسياق الصحيح إلا في حالة الاتفاق الوطني ضمن برنامج واحد.

 

لقد ساء الكثيرون حجم التصريحات الفاقعة التي أطلقها رئيس حماس في غزة، والذي استعرض حجم قدرة حماس على فرضيته أنها ممثل المقاومة بمفهوم العمل العسكري، وهي بمنطقها التهديدي المبالغ فيه قد تنفع للغرض التعبوي الداخلي، ولكنها قد لا تكون مفيدة على الصعيد الخارجي خاصة حين تكون المقدرة في الحقيقة محدودة ماديا وجغرافيا ووحدويا.

 

من غير الجائز أن نقارن قوتنا العسكرية بقوة الجيش الاسرائيلي من ناحية تقنية بحتة، فلسنا جيش بمواجهة جيش وهذه الصورة بالضبط هي مطلب الإسرائيليين! أما من الناحية المعنوية فنحن قطعا نتفوق لأننا أصحاب القضية والحق الذي لا يزول.

 

ومن غير الجائز باعتقادي التهديد بما قد ينقلب مأساة جديدة على رؤوسنا بما جرّبناه في أكثر من عدوان قام به الجيش الصهيوني الإرهابي ضد غزة أساسًا، فكيف نفهم حالة استعراض القوة العسكرية في ظل ندرة أو انحسار الرؤية الشاملة، وضيق الحيّز الجغرافي، ونقصان الدعم الاقليمي، وانفجار حالة التشظي الفصائلي؟

 

قال يحيى السنوار في 4/11/2019 في لقاء له مع الشباب في غزة: "أن القذائف المصنعة في القطاع ستحيل الدبابات الأقوى في العالم إلى حديد محترق"، وقال:"لدينا مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض ولدينا مئات غفيرة من غرف التحكم ومئات الآلاف من الكمائن" وأضاف: "لدينا الآلاف من القذائف الصاروخية التي ستحيل مدن الاحتلال إلى خرابات ومدن أشباح" مؤكدا أن: "إيران الفضل الأكبر في بناء قوتنا وتعزيزها"

 

هل نفهم التهديد استغلال لحالة الانتظار التي يعيشها الكيان الصهيوني نتيجة صراعاته السياسية الداخلية؟ أم نفهمها دعاية انتخابية فلسطينية مبكرة لحماس؟ التي تفهم معنى إلهاب مشاعر الجماهير على حساب التفكير العقلاني والمنطقي وتخير الوسيلة والوقت المناسب؟

 

هل نفهم التهديد استعراضا بلا معنى؟ أم نفهمه تضارب مصالح بين فئات متصارعة داخل فصيل حماس ذاته أم أنه إرادة خارجية قاهرة (إيرانية تحديدا لأنه تم ذكرها بخطاب السنوار بوضوح) لمجرد تحقيق الردع لإيران، وليس لفلسطين عبر اداة بعيدة؟

 

من المفرح أن يكون لدينا جيش وطني موحد، وليس تنظيمات مسلحة فلسطينية مهما تسمّت، فهذه المرحلة من المفترض القفز عنها، لأن بناء الدولة يحتاج الى تجاوز تشظي الأجنحة المسلحة، فلا يمكن بحال قيام دولة في ظل فوضى السلاح وتعدده بين الفصائل، ولنا بالكيان الصهيوني ذاته حين أعلن استقلال كيانه خير مثال.

 

إن فكرة المركزة للقرار من خلال القيادة الموحدة والبرنامج الموحد (لا سيما بعد موافقة كافة الفصائل -عدا الجهاد- على هدف الدولة المستقلة بحدود 1967 ولمراجعة وثيقة حماس 2017)، والسلاح الموحد تصبح فكرة ترتبط بمفهوم الدولة ولا تلغي بتاتا استمرارية النضال.

 

نحتاج لقليل من الهدوء والتفكير العميق والوحدة دون استثارة العاطفي القريب على حساب العقلاني البعيد فلا نعود لنعض أصابع الندم!