سيكون تخصيص يوم وطني للمرأة الفلسطينية إنجازا حقيقيا لحكومة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وللمرأة الفلسطينية إذا اعتبرناه إشارة لاطلاق ثورة ثقافية، تحفر عميقا في رواسب المفاهيم الاجتماعية الظالمة للمرأة، تفككها وتفتتها تحرقها وتبخرها، وتعيد تهيئة تربة المجتمع لاستنبات بذور التحرر والحرية، وغرس فسائل الأفكار والنظريات والقوانين والمفاهيم التقدمية الانسانية المتحررة من التعصب والتمييز أيا كان مصدره، أو مرجعيته، فإنسان فلسطين الأنثى ليست ممن ينتظر المكرمة، وإنما هي مكافحة تمضي بعزم وثبات وإرادة في دربي التحرر المتوازيين، في الأول تنتزع ما اغتصبه المجتمع السلطوي الذكوري من حقوقها الطبيعية المخلوقة معها وفي الآخر تنتزع حقوقها في أرض وطنها فلسطين التاريخية والطبيعية، وتأكيد حقها في الحرية والاستقلال ككل نساء العالم اللواتي يعشن في كنف دول ومجتمعات ديمقراطية، فالمرأة الفلسطينية تعتقد أن التحرر من الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي العنصري سبيلها الرئيس لتكريس العدالة والمساواة في دولة القانون التي تنشدها.

 

المناضل الوطني الفلسطيني -نعني بهذا المصطلح الجنسين- يدرك أن ساسة الاحتلال الاسرائيلي هم اصحاب المصلحة الأولى في بقاء المفاهيم الظالمة للمرأة الفلسطينية، وأنهم يكرسون طاقات مادية وبشرية لاحياء اظلمها واشدها فتكا بالانسان الانثى، حتى لا تقوم قائمة للمجتمع، وحتى تبقى حاضنة المجتمع مقهورة، مكبوتة، مسلوبة الحق والارادة، فتعجز عن تربية الجيل المطلوب لتحقيق الحرية والاستقلال والسيادة، فالفلسطينية فاقدة الحرية والسيادة على نفسها وجسدها ورغباتها ومشاعرها وقرارها ورؤاها وآمالها لايمكنها أن تفعل اكثر من إرضاع ابنها والسهر عليه حتى يشتد عوده ويبلغ فقط، وما فوق ذلك فمستحيل.

 

لم تخضع المرأة الفلسطينية، ولم تمنعها من التحرر حدة مفاهيم اجتماعية جارحة سُلِطت على رقبتها كحد سيف، ولعلنا اذا قرأنا الصفحات المبهرة في سجل تاريخنا المعاصر، سيفخر كل وطني فينا، بان المرأة الفلسطينية كرست كل انجازاتها في سياق الحقوق والتحرر لصالح المجتمع، قبل التفكير بجني مكاسب تخص نوعها، ولعل ما اوردناه في مقالتنا السابقة ونعتبره فقرة في صفحة من كتاب نضال المرأة الفلسطينية العظيم يثبت صحة ما نعتقده، أما ما نشهده اليوم مباشرة في كل لحظة من حياتنا، فانه لايحتاج لتأكيد واقناع، والسبب بسيط أن المرأة الفلسطينية قد ادركت كينونتها الانسانية وليس نوعها وجنسها وحسب، وباتت تفكر وتعمل وتتخذ امثل سلوك للتعبير عن ذاتها، فتوسعت بذلك دائرة المؤمنين والمؤمنات بالمساواة والعدالة، لايمانهم وايمانهن المطلق بكمال انسانيتهم وتساوي حقوقهم دون اعتبار للجنس (النوع).

 

اليوم الوطني للمرأة الفلسطيني في 26 اكتوبر لم يقره مجلس الوزراء الفلسطيني ليكون يوم إجازة أو عيد، وانما هو يوم عمل بمقدار سنة، فيه يعكف الجميع على ملفات ومخططات سابقة، يقرأون ما انجزوا منها، ويبحثون معيقات ما لم ينجز، ويقررون ما يلزم لازالة العراقيل.

 

المشرعون في السلطة التشريعية يناقشون ويبحثون، يعتمدون أحسن القوانين الرافعة لقيم الحرية والتحرر، والغاء نصوص مضادة للحق الانساني، واستبدالها بنصوص مقتبسة من روح العدل والمساواة، فيما تعمل السلطة التنفيذية واصحاب الصلاحية على تحويل القوانين الى قرارات نافذة تطبق باسم الشعب، أما قضاة السلطة القضائية، أهل بيوت العدالة فبأيديهم مفاتيح البوابات الكبرى التي سيمر منها المجتمع خارجا من مدينة الصراع الدائم على الحقوق، الى مدينة الاستقرار والسلام المجتمعي، ويبقى أن نذكر هنا أن قوانين القضاء في بلادنا لا يمكننا رؤيتها الا انعكاسا للرؤى التحررية والثورية – التغيير الجذري – وليس للمفاهيم الاجتماعية السائدة، وما التسليم بالسائد إلا تضييع وعبث بأرواح ودماء المناضلين.

 

كلنا – بدون استثناء - مدعوون لتعزيز كفاحنا التحرري، لا مجال بيننا لمن يشدنا بحبل رجعيته ومفاهيمة الأنانية الذكورية الى الخلف ليسقطنا في مستنقع المجتمعات القشرية الاتكالية العاجزة عن انتاج افكار خلاقة، وتجسيد مشاريع مادية عملاقة.

 

كلنا - بدون استثناء - نتحمل مسؤولية تحويل اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية الى يوم استطلاع للمسافة بيننا وبين النصر، فحرية الوطن الكبير المقدس لن نحققها ما لم يدافع كل منا عن انسانيته، ويمنحها شرف المساهمة النظرية والعملية في تجسيد حقوق وطنه الصغير المقدس (المرأة) أيضا، فحرية الانسان – الانثى والذكر لا تتجزأ ابداً، ولا يمنحها واحد للآخر، فهو سيبقى ناقص القيمة والقيم من دون حريتها وهي كذلك ستبقى ناقصة القيمة والقيم من دون حريته، إنها العلاقة السرمدية التي لو ادركناها بالمعرفة والعلم والايمان لكنا الآن في فردوس سلام.