بعدما اقتنع أنَّ مشروع قانون الكاميرات العنصري آيلٌ للسقوط، ولن يمر، لجأ بنيامين نتنياهو لإصدار بيان مساء أمس الثلاثاء، أعلن فيه نيته فرض السيادة على الغور الفلسطيني وشمال البحر الميت إذا ما تمّ تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات البرلمانية القادمة في 17 أيلول/سبتمبر 2019. وأشار رئيس وزراء (إسرائيل) الفاسد، انه سينتظر إعلان الرئيس ترامب عن صفقته بعد الانتخابات لتتكامل الانتهاكات الإسرائيلية مع صفقة تصفية القضية الفلسطينية.
وبعيدا عن التفاصيل، أولاً: موقف زعيم الليكود ليس جديدا، وكان طرح الموضوع سابقًا أكثر من مرة؛ ثانيًا: أهداف نتنياهو من إطلاق التصريح تتمثل في 1- استقطاب أصوات اليمين الإسرائيلي عمومًا، واليمين المتطرِّف خصوصًا لصالحه في الانتخابات القادمة. لا سيما وأنّه بات يدرك أن هناك تراجعًا وإحباطًا نسبيًّا في صفوفه، الأمر الذي دعاه لأن يحاول تحفيز اليمين للتصويت؛ 2- التغطية على قضايا الفساد التي تلاحقه، حيث نلاحظ أنّه لا يترك فسحة ولو ضيقة لوسائل الإعلام لتتنفّس قليلاً من خبطاته السياسية والإعلامية والأمنية، حيث يسعى لأن يبقى في دائرة الضوء، ويختطف الشاشات وأخبار وكالات الأنباء والسوشيال ميديا عمومًا وحرفها باتجاه مواقفه، وإبعادها عن متابعة التطورات في قضايا الفساد؛ 3- ما ذكره بيان رئيس الائتلاف الحاكم اليميني المتطرّف يعكس الرؤية الاستراتيجية لكل الاستعماريين الرافضين لخيار السلام، ويسعى لبناء "دولة (إسرائيل) التاريخية" على كل فلسطين التاريخية؛ 4- محاولة التمهيد لرؤية الرئيس الأميركي المنوي طرحها بعد الانتخابات، والتي من المفترض أن تقدّم له في حال تمكن من الحصول على الأغلبية في الكنيست الـ22 كجائزة ترضية ودعما لخياره السياسي الاستعماري، والمتناقض مع عملية السلام؛ 5- محاصرة خصومه السياسيين، خاصة تكتل "أزرق ابيض" برئاسة بيني غانتس، ويئير لبيد، ومحاولة سحب البساط من تحت أقدامهم؛ 6- التأكيد مجددًا على أنَّ ائتلاف اليمين المتطرّف بزعامة الليكود يعمل بشكل دؤوب على تصفية خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ويرفض التعايش مع أي تسوية سياسية، ويؤجج عوامل التفجير والصراع في المنطقة عمومًا وعلى المسار الفلسطيني الإسرائيلي؛ ثالثًا لم يفاجئ نتنياهو القيادة والشعب الفلسطيني نهائيًّا، ولا اعتقد أنّه فاجأ أحدًا ما في العالم.
موقف نتنياهو لن يغيّر من معادلة الصراع، ولن يساعده بشيء، أو يغطي للحظة فساده، ولن يحميه من الدخول للسجن بقضايا الفساد المعروفة، والتي باتت مؤكدة ودامغة، ولن ينقذه من تبعات وتداعيات جرائمه وانتهاكاته للقانون الدولي، ولن يفت في عضد الشعب الفلسطيني، الذي بات عدد أبنائه في فلسطين التاريخية أكثر من عدد اليهود الصهاينة. وبالتالي كل الانتهاكات، وجرائم الحرب، التي يرتكبها نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف، وقطعان المستعمرين وجيش الموت الإسرائيلي، وكل إعلانات العطاء للبناء والمصادرة والتهويد والضم والأسرلة لن تلغي الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، ولن تضعف تمسك القيادة الفلسطينية بخيار السلام، وسترتد عليه إن لم يكن اليوم، أو غدًا ففي المستقبل غير البعيد.
ولكن ذلك لا يعني عدم الرد العالمي والعربي والإسلامي والفلسطيني على موقف نتنياهو المباشر، وفي هذا الإطار نتمنّى على الرئيس الروسي بوتين أن يلغي زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية غدًا لموسكو، وأن يرفض استقباله، خاصّةً أنَّ روسيا لها موقف ثابت من عملية السلام، كما نتمنّى على دول الاتحاد الأوروبي والصين والهند وأقطاب الدنيا مطالبة بمواقف واضحة للتصدي للسياسة الاستعمارية النتنياهوية. وأيضًا على الأشقاء العرب، التي عقد وزراء خارجيتها أمس الاجتماع الدوري الـ152 في القاهرة اتخاذ موقف أكثر صلابةً وانسجامًا مع مبادرة السلام العربية للرد على إعلان نتنياهو المعادي للسلام، ولقضية العرب المركزية؛ وعلينا الإقدام على خطوة مهمة وأساسية لترميم جسور الوحدة الوطنية، والرد على نتنياهو بخطوات عملية شجاعة، وعلى قيادة الانقلاب الحمساوي أن تهبط إلى أرض الوطن الواحد، ومصالح الشعب الواحد، وأن يسقطوا خيار الإخوان المسلمين التمزيقي والتفتيتي، إن كانوا دعاة مقاومة حقيقية، وأن يعلنوا بملء الفم استعدادهم لتنفيذ اتفاق أكتوبر 2017.