كل أبناء فلسطين المنزرعين مثل علامات الله داخل فلسطين التاريخية، في الجليل والمثلث والنقب، وفي المدن المختلطة، في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، أو في المهاجر والمغتربات القريبة و البعيدة، يعلمون علم اليقين أنّ الاستيطان هو أهم مدماك في عمل الحركة الصهيونية وانه روح ومحرك وإجماع الحركة الصهيونية بكل فوارقها، منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقده ثيودور هرتزل في مدينة بال بسويسرا عام 1897م، أي قبل مئة واثنين وعشرين عاما، ولا يمكن لأحد على وجه هذه الأرض أن يتّهمنا باننا لم نكن منتبهين للخطر، خطر وجودي داهم، بل قاومنا، وحذرنا منه بكل قدرتنا، وفضحناه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وكشفنا عدوانيته السوداء، والإشكالية التي كان يتجلَّى بها، مثل نموذج المستوطنة والسور وحبل الغسيل للإيماء بأنّ هذه المستوطنة كانت بالأمس هنا، وأنّ وجودها نوع من الاستمرار وليس وجودًا مستحدثًا، وهو ما يعبّر عنه الآن بالقول لسنا محتلين بل عائدون إلى أرضنا "أكبر كذب في التاريخ الإنساني ولكنَّنا كنّا جزءًا من إمبراطورية أصبح اسمها الرجل المريض، وما زلنا جزءًا من الأمة العربية والأمة الإسلامية، نحن أول مَن يتصدى للهجوم، وأول من ندق أجراس الخطر والإنذار، لكن الهجوم كان كاسحًا، قوى إقليمية تواطأت من خلال ضعفها، وقوى دولية تواطأت من خلال مصالحها، فوقعت النكبة، وتحوّلت فلسطين من وطن للفلسطينيين إلى قضية، وكان نضالنا المدهش المتواصل منذ البداية كيف نخلِّصها من أيدي المتاجرين بها.
قضيتنا الآن في أيدينا، نحن الآن لا نُؤمَر فنطيع ولا بأي مستوى من المستويات، وهل كان عقل دونالد ترامب يعتقد أو يتخيّل أنَّ الفلسطينيين شعب على رأسه قيادته سيرفضون صفقة القرن؟! هذه هي مفاجآت جعلته غير متوازن إلى درجة تثير الحزن، وجعلته ينظر إليه كأنّه يعاني من مرض عقلي! بل وقبل ذلك، هل كان الجنرال اسحق رابين يعتقد أنّه سيجلس مع الرئيس الفلسطيني ليوقّع اتفاقًا يشاهد على كل فضائيات العالم طرفه الأول منظمة التحرير الفلسطينية الممثِّل الشرعي الوحيد!!
مهمتنا الأولى الدائمة والطارئة هي زرع حقيقة أنّ الاستيطان غير شرعي وسيفكّك، ويزال، واحذروا أن ترهبكم المقولات الزائفة، لقد قالوا عن مستعمرة ياميت في العريش، وعن تجمُّع غوش قطيف في قطاع غزة ما لم يقولوا عن القدس، أين ذهب كلامهم؟! عدم شرعية الاستيطان مهمتنا الأولى، يجب زرعها في أذهان الإسرائيليين كأنَّها الهاجس، ابتداءً من ذهن بنيامين نتنياهو حتى آخر طفل، الاستيطان غير شرعي، وهو نموذج للعدوان الأسود، وسوف يزال بأيدينا إن لم يكن بمنعرجات القانون الدولي والشرعية الدولية.
أمَّا المهمة الثانية، فهي الصوت العربي في الانتخابات الإسرائيلية بعد أيام قليلة، كل صوت عربي يسقط صوتا يمينيًّا إسرائيليًّا، أنتم أيّها الفلسطينيون باحتشادكم تحت منظومة القائمة المشتركة اكبر وجوه الحقيقة، أنتم هنا، أنتم القول الفصل، آخر الكلام، وإلّا لماذا كان وعيكم وصراعكم البطولي طيلة واحد وسبعين سنة؟ لتكونوا هنا، وسوف تسمعون صوت الرعب منكم بلسان نتنياهو، سمعتموه سابقًا "العرب يتدفّقون الفلسطينيون يتدفّقون"، ما أجمل هذا القول، ما أحلى جرسه الموسيقي، العرب يتدفّقون، العرب موجودون، العرب فاعلون، العرب حاضرون، ودعوا القلّة القليلة في العالم العربي والإسلامي الذين لا يشغلهم شيء سوى البحث عن صيغة لإرضاء العدو والتطبيع معه، إنّهم لا قيمة لهم، إنّهم كالأنعام أو أقل قليلاً.